كيف تُنشئ «قاعدة عسكرية» كاملة، بخبرٍ صحفي؟

كيف تُنشئ «قاعدة عسكرية» كاملة، بخبرٍ صحفي؟

تداول عدد كبير من المواقع السورية، وقبله عدد من المواقع الأمريكية، خبراً مفاده، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية بصدد بناء قاعدة عسكرية ضمن محافظة الرقة السورية شرق الفرات.

الطريف في الخبر، هو التبريرات التي جرى تقديمها للغرض من إنشاء القاعدة المفترضة، والتي
كانت على لسان أحدهم: «هو تسيير دوريات مشتركة مع قسد على الطريق الواصل بين الحسكة والرقة، وطريق كرى سبي (تل أبيض) لمراقبة أوضاع المنطقة». والذي إنْ صحّ فسيكون سابقةً في العلوم العسكرية؛ أي إنشاء قاعدةٍ عسكرية بقضها وقضيضها لتأدية مهمة براكيتين، وبضعة حواجز وبضع أجهزة مراقبة.
وفقاً للغرض المعلن، فإنّ ما يتم الحديث عنه- إنْ كان الأمر صادقاً أساساً، فالحديث ما يزال عن «نوايا»- أقل بالمعنى العسكري حتى من مستوى تجهيز ومساحة نقاط المراقبة التركية الموجودة حالياً في مناطق من الشمال الغربي السوري.

الغاية سياسية

لا نعتقد بأنّ المبالغة عبر استخدام كلمة «قاعدة عسكرية»، منشؤها هو الجهل، بل إنّ منشأها سياسي بالضرورة؛ فتوقيت الخبر ليس منقطع الصلة نهائياً عن التهديدات التركية بعدوان عسكري جديد، وعن المساعي الروسية الإيرانية، وحتى التركية، للوصول إلى تسوية سورية تركية، وكذلك عن المساعي الروسية للوصول إلى تفاهم بين مسد/ قسد وبين النظام السوري في دمشق.
قبل كل شيء، ينبغي تنحية التفسير «ضيق النظر» - إنْ استخدمنا تعبيراً لائقاً- الذي يقول: إنّ نية الأمريكان إنشاء «قاعدة عسكرية» في الرقة هي رسالة للأتراك مفادها، أنّ الأمريكي صلبٌ في رفضه عملية عسكرية تركية. فإذا كان من الممكن خداع بعض السياسيين أو خداع قسم من عامة الناس باستخدام كلمات كبيرة من نمط «قاعدة عسكرية»، فإنّ ذلك لا يمر نهائياً على العسكريين، ولا حتى على السياسيين الذي يملكون ما يكفي من المنطق، ولن يمر تالياً كلامٌ من هذا القبيل على الأتراك... ولن يكون بحالٍ من الأحوال ردعاً لهم عن المضي في عدوان جديد.
وإذاً، فإنّ الغاية الفعلية لهذه «القاعدة العسكرية» الضخمة التي لا تتجاوز بمساحتها مساحة الخبر الصحفي عنها، هي في مكانٍ آخر معاكس في حقيقة الأمر؛ الغاية هي طمأنة المتشددين ضمن قسد إلى أنّه لن تكون هنالك عملية عسكرية، ولذا فإنّهم ليسوا بحاجةٍ للوصول إلى توافق مع النظام في دمشق، ولا بحاجة للوساطة الروسية مع الأتراك، والتي بالفعل قد تنكر لها بعض مسؤولي قسد في حديثهم عن الأسباب التي منعت حتى الآن انطلاق عملية عسكرية، ناسبين الفضل إلى الأمريكي وجهوده!
في الوقت نفسه، فإنّ هذا النوع من الإعلانات، هو تشجيعٌ ضمنيٍ للأتراك على الدخول في المعركة؛ فالإيحاء بتمركز جديد أساسي للأمريكان في الرقة، أي على بعد 90 كم من الحدود، يشبه إلى حدٍ بعيد بمعناه العملي والسياسي، ما قام به الأمريكان من انسحابات قبيل العمليات التركية السابقة، وخاصة في الشمال الشرقي.
الفائدة الإضافية لمثل هذا النوع من الكلام، هو أنّه يعزز الحجج بيد متشددي النظام الذين لا يريدون الوصول إلى تفاهم مع مسد/ قسد، ويعقّدون الوصول إلى اتفاق، بالاستناد إلى تشدد يسعى الأمريكان لتعزيزه في صفوف قسد/ مسد نفسها.
وأسوأ من هذا كلّه، أنّ تشجيع الأمريكان لعملية عسكرية تركية، وإنْ محدودة، له غرض أكثر وضوحاً وإلحاحاً وراهنية، وهو إعطاء رافضي التسوية السورية التركية ورقة قوية للاستمرار برفضها، ولمنع الجهود الروسية والإيرانية من الوصول إلى نهاياتها المطلوبة.
هو مجرد خبرٍ صحفي نعم، ولكن يمكن له وحده أن يلخص جملة سياسات أمريكية راهنة بما يخص الشمال الشرقي السوري، وبما يخص سورية ككل...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1101