الحل من وجهة نظر الفضاء السياسي القديم والجديد
عماد طحان عماد طحان

الحل من وجهة نظر الفضاء السياسي القديم والجديد

المرادف العملي لتعبير «المتشددين» من الأطراف السورية، هو تعبير «الفضاء السياسي القديم»، رغم أنّ التعبيرين ليسا منطبقين تماماً؛ إذ إنّ ضمن الفضاء السياسي القديم من يتمتع بمواقف أكثر عملية وواقعية، بل وأكثر وطنية أيضاً، من مجمل المتشددين.

الفضاء السياسي القائم والمتسيد حتى اللحظة على ضفتي النظام والمعارضة، هو نفسه الذي بدأ تشكله في مرحلة الاستقلال وما بعدها. وهذا الفضاء بتياراته المختلفة قد مرّ بتحولات عديدة لها أسبابها الداخلية بطبيعة الحال (وخاصة طبيعة تطور علاقات الإنتاج والبنية الطبقية للمجتمع عبر النصف الثاني من القرن العشرين وحتى الآن)، ولكن لها أيضاً أسبابها الخارجية، وعلى الخصوص حالة التراجع العام الذي عاشته الحركة الثورية عبر العالم، والتي كانت ذروتها هي انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 بالتوازي مع انتشار أفكار «نهاية العالم» و«صراع الحضارات» و«النيوليبرالية» ووصولاً إلى «إعادة الإقلاع العظمى-Great Reset».
حصيلة هذه التحولات المديدة، الداخلية والخارجية، هي أنّ هذا الفضاء السياسي الذي تشكل أيام الاستقلال وبعده بقليل، قد بدأ بالتحول تدريجياً من فضاء متصلٍ اتصالاً عميقاً بعموم السوريين ويعنيه النهوض بالبلاد، وخاصة بالإطار الإنتاجي، إلى فضاءٍ منقطع الصلة مع الناس وفاقدٍ لثقتها، ويعنيه أن يسيطر على المجتمع وعلى موارده دون أن يدفع جدياً باتجاه أيّة تنمية حقيقية... وهذا الأمر قد شمل إلى حدٍ بعيد، وفي القسم الأعظم من النصف الثاني من القرن العشرين، كلاً من النظام ومعارضته.
التحول العالمي الأكبر الذي رافق هذه التحولات وحفزها وأسهم فيها، هو التحول من الاستعمار القديم العسكري، إلى الاستعمار الجديد الاقتصادي، والذي رست أسسه بشكلٍ متكامل في أواسط الستينيات.
هذا التحول الكبير ساهم في صياغة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية لمجمل دول ما يسمى «العالم الثالث»، أو دول الأطراف بالمعنى الرأسمالي؛ حيث جرى تكريس اقتصادات ضعيفة الإنتاجية، تعتمد على تصدير الثروات الباطنية، وتصدير العقول بأبخس الأثمان، وعلى استيراد كلّ شيء مصنع تقريباً، وخاصة بالإطار التكنولوجي.
مع الوقت، ومع تثبت هذا النوع من العلاقات التبعية اقتصادياً، أصبحت العلاقة مع المركز الغربي هي محور العمل السياسي الخارجي للفئات المتنفذة المتصدرة للمشهد في كل من النظام والمعارضة... وإذا كان دوران الفضاء السياسي القديم ضمن المعارضة حول المحور الغربي واضحاً عبر محطات عديدة ضمن هذه الألفية، وأكثر وضوحاً ابتداءً من 2011، فإنّ الفئات الليبرالية ضمن النظام وفئات الفساد الكبير التي بات واضحاً أنّ كلمتها هي العليا، هي الأخرى بدأت بالدوران حول المركز الغربي منذ عقدين إلى ثلاثة عقود. ولم يتضح ذلك في الجوانب الاقتصادية- الاجتماعية فحسب، أي في تطبيق اللبرلة وضرب القطاع العام وتخفيض الدعم وصولاً لرفعه، بل وظهرت أيضاً في طبيعة التوجهات السياسية، على الأقل ضمن الأعوام العشرة الأولى من الألفية؛ حيث كان الحديث الأعلى صوتاً هو حديث الشراكة الأوروبية والشراكة عبر المتوسط، والعلاقة مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وبرامج «الإصلاح الهيكلي» وإلخ... وهذه توجهات اقتصادية بلا شك، ولكن مضامينها السياسية واضحة أيضاً.
الذهاب باتجاه الحل السياسي، وباتجاه التغيير الجذري الشامل ابتداءً بتطبيق القرار 2254، يعني العودة إلى الناس ولرأيهم بشكل نزيه وشفاف، للمرة الأولى منذ أكثر من خمسين عاماً... ويعني ضمناً العودة إلى رأي الناس وحكمها على كل القوى السياسية المتسيدة للمشهد.
وربما بين الجوانب المهمة، وإنْ غير المحكية كثيراً لهذه المسألة، هي أنّ انطلاق الحل وبدء تنفيذ القرار 2254، سيعني ضمن الظروف الدولية المستجدة، البدء باستئصال النفوذ الغربي طويل الأمد في سورية، وهذا سيعني بالتوازي البدء بخلق فضاءٍ سياسي جديد متصل حقاً بالواقع، أي متصلٍ بالسوريين، ومتصل بالأوضاع الدولية الجديدة... هذا كلّه يفسر إلى حدٍ بعيد حجم التشدد الهائل لدى القوى المتسيدة في كل من النظام والمعارضة اتجاه الحل السياسي، وعملها الدؤوب على عرقلته وتأخيره أيّاً يكن الثمن، وحتى إنْ كان الثمن هو البلاد نفسها ووحدتها...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1088