لماذا يجهرون برفض الحوار في دمشق؟
تخرج مؤخراً بعض الأصوات التي تهاجم وتخوّن فكرة الحوار في دمشق، وذلك رغم أنّ المسألة لا تبدو مطروحة على جدول الأعمال المعلن بما يخص سورية، أي ليس هنالك من جديدٍ يفسر سبب خروج هذه الأصوات... ولكن هنالك بالتأكيد ما هو غير معلنٍ ويسمح بتفسيرها.
قبل استكشاف «غير المعلن»، نشير إلى أنّه من الطريف حقاً أنّ بعض هذه الأصوات، ويا للعجب، قد اتهمت الداعين إلى نقل الحوار إلى دمشق، بأنهم عملاء لأمريكا وللصهاينة! الأكثر طرافةً أن أحد تلك الأصوات قد نشر هذه الاتهامات في مقالة بعنوان «إسرائيل تحاول فتح منصة في دمشق العربية» في موقعٍ اسمه «رياليست عربي»، وهو موقع تتلبسه شبهة إدارته صهيونياً، بل ويكفي الدخول إلى قسم الحوارات فيه ليصطدم المرء بالعنوان التالي في رأس تلك الحوارات: «حاخام أرمينيا الأكبر: أرمينيا وإسرائيل.. محور استقرار العالم».
وإذا كلّف المرء نفسه عناء قراءة الحوار الأول في الموقع الذي اختار «ذلك الصوت السوري» أن ينشر مادته «المعادية للصهيونية» فيه، لقرأ التالي:
«أود أن تصل أرمينيا إلى نفس المستوى من التطور مثل إسرائيل، إلى هذا الشكل من الأمن وإمكانية صدّ أي عدو، لذلك الشكل من الوحدة داخل الشعب الذي يوجد في الشعب اليهودي، مع كل الآراء العديدة، هناك برنامج متكامل لتطوير أرض إسرائيل والدولة اليهودية، وبناء الهيكل الثالث...»
التفسير
المسألة في عمقها هي أنّ الحوار في دمشق موجود فعلاً على جدول الأعمال، وإنْ لم يكن معلناً بعد. ويبدو أنه دخل إلى جدول الأعمال كاقتراح جديٍ وقابل للحياة وللتطبيق في قمة طهران الأخيرة أو بعدها بقليل ولكن في إطار تنسيق من ثلاثي أستانا، الذي وصل حد أنّ التركي نفسه قد بات يتحدث عن ضرورة الحوار والتسوية بين النظام والمعارضة، ولم يمانع باحتمال تسوية وتقارب بين تركيا وسورية في هذا الإطار... هذه الأمور هي ما استدعت في العمق هذا «الاستنفار» ضد فكرة الحوار في دمشق.
وليست صعبةً على الإطلاق معرفة الأطراف التي لا مصلحة لها في الحوار في دمشق، والتي ستبذل في الفترة القادمة كل جهدٍ ممكن، وكل أنواع التبريرات اليائسة، للعمل ضد هذا الاتجاه، بما في ذلك الانحدار إلى التناقض الكلي وانعدام المنطق، عبر الهجوم على الحوار في دمشق، ووسمه بأنه غير وطني، ومن أصوات هي نفسها سبق أن هاجمت جنيف وأستانا لسنوات، انطلاقاً من أنّ أيّ حوارٍ خارج سورية هو حوار غير وطني!
فإذا كان الحوار بالنسبة لهؤلاء غير وطني إن جرى خارج البلاد، وغير وطني إنْ جرى داخلها أيضاً، فهذا يعني أنّ المشكلة ليست في مكان الحوار، بل في الحوار نفسه؛ المشكلة بالنسبة لهم أنّ فكرة الحوار من أساسها «غير وطنية» من وجهة نظرهم! وعبر رفض الحوار يرفضون الحل السياسي بكل طريقة ممكنة، ويعملون ضده بكل وسيلة ممكنة، وعبر البحث كل مرة عن ذريعة جديدة أياً تكن تلك الذريعة... وبما يخدّم مصالح المتشددين الذين لا يكتوون بنيران الأزمة كعموم الشعب السوري، بل على العكس يتدفؤون على لظاها، ويضاعفون ثرواتهم، وليس ضمن حساباتهم الذهاب باتجاه أي تغيير يصب في مصلحة سورية والسوريين، لأنّ تغييراً كهذا سيكون بالضرورة ضد مصالحهم... ولذا يرفضون الحوار ويرفضون الحل...
الحوار في دمشق يعني وضع الحل السياسي على سكته الحقيقية، ويعني إعادة الأزمة من طور التدويل إلى طور حلها داخلياً بمساعدة أستانا وبعيداً عن تأثيرات الغرب و«إسرائيل» خاصة. ويعني ضمناً فتح الباب واسعاً أمام التنفيذ الكامل للقرار 2254، وتالياً إنفاذ حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، على أرضه الموحدة والسيدة، وصولاً لخروج كل القوات الأجنبية من أرضه، وفي مقدمتها قوات الاحتلال «الإسرائيلي».
ولذا، فمن المفهوم تماماً، أنّ أعداء الحوار في دمشق هم المتشددون وتجار الحروب من مختلف الأطراف السورية، والذين يعلمون أنّ سير الحل السياسي إلى نهاياته، يعني نهاية تجارتهم، وأنّ هذا السير يبدأ خطوته الأولى في دمشق تحديداً وليس في أي مكانٍ آخر في العالم.
ومن المفهوم أيضاً، أنّ الأمريكان والصهاينة هم على رأس قائمة المعادين للحوار في دمشق، لأنّ ذلك يعني وضع حد نهائي لسياسات «المستنقع» وسياسات التفتيت والتخريب والتهجير التي يحلمون من خلالها بإنفاذ «مشروع الشرق الأوسط الكبير»، عبر إنهاء سورية عملياً، وربط دول المنطقة وأنظمتها بالنظام الصهيوني...
نتمنى أنْ ترتفع أصوات المعادين للحوار في دمشق أكثر وأكثر، لكي يعرفهم السوريون جيداً، ويحفظوا موقفهم هذا، ويتمكنوا تالياً من معرفة طبيعة المصالح التي يخدمونها...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1085