كيف ستؤثر الأزمة الأوكرانية على الأزمة السورية؟
سعد صائب سعد صائب

كيف ستؤثر الأزمة الأوكرانية على الأزمة السورية؟

رغم التناقض الشكلي بينهما، إلا أنّ كلاً من متشددي المعارضة ومتشددي النظام، يذهبون في تحليلاتهم المتعلقة بالأزمة الأوكرانية وما يمكن أن تحمله من تداعيات على الوضع السوري، إلى المكان ذاته تماماً في نهاية المطاف...

بشكلٍ أوضح، فإنّ المتشددين من الطرفين يرون أنّ ما يجري في أوكرانيا هو «فرصة» لإعادة «توليع» الحرب في سورية نفسها، بوصفها الخيار الوحيد للتعامل مع الوضع القائم والانتقال به إلى «مرحلة جديدة»؛ فمن جهة متشددي المعارضة، تعود نغمة الإسقاط إلى الظهور مجدداً، بل وكذلك المطالبة بالتسليح! وفي الضفة المقابلة، نرى تحليلات تصب في أنّ ما يجري في أوكرانيا يعني أنّ الباب بات مفتوحاً مجدداً على «الحسم» عسكرياً اتجاه المناطق التي لا تخضع الآن لسيطرة النظام...
أي إنّ المتشددين في الطرفين يتفقان، كما هي العادة، وعند كل منعطف جديد، على محاولة العودة إلى إحداثيات الحسم والإسقاط، وإلى إحداثيات الحرب، أي إلى الإحداثيات المضادة للحل السياسي وللقرار 2254، والمضادة ضمناً، وأحياناً علناً، للجنة الدستورية ولمسار أستانا.

ما هي الآثار الفعلية المتوقعة؟

بعيداً عن رغبات وأوهام المتشددين من الطرفين، فإنّ الأكيد أنّ هنالك آثاراً معينة ستترتب على الملف السوري نتيجة ما يجري في أوكرانيا، والذي كان منذ يومه الأول، وقبله، أكبر من أوكرانيا نفسها بكثير.
ما ينبغي التفكير به برويّة، هو: ما هي تلك الآثار المحتملة؟ وكيف ينبغي التعامل معها؟
قبل أي شيء آخر، لا بد من العمل على مستوىً وطني عام لمواجهة الطروحات المتطرفة وغير المسؤولة التي نسمعها من هنا ومن هناك، والتي تعمل لـ«انتهاز الفرصة» أو بالأحرى ما تعتقد أنه فرصة لإعادة إشعال الحرب، وتالياً إبعاد شبح الحل السياسي...
بالعودة إلى سؤال التأثيرات المحتملة، فالمؤكد أنه تصعب وضع إجابة جدية عليه دون فهم عميق لأبعاد ما يجري في أوكرانيا وحولها، ووصولاً إلى الوضع الاقتصادي العالمي في أزمات الطاقة والغذاء والنظام المالي العالمي وإلخ. وحتى هذا نفسه لن يكون كافياً دون فهمه في حركته، أي توقع مآلاته بأكبر قدر ممكن من الدقة...
ضمن التعقيد العالي لهذه العملية، فإنّ هنالك بعض الأمور التي باتت واضحة إلى حد معقول... وبينها التالي:
مختلف الأزمات ذات الامتدادات الإقليمية، وبينها سورية وأوكرانيا وغيرها، هي أزمات ما تزال معلقة منذ ما يقرب عقد من الزمان دون حلولٍ حقيقيةٍ تحمل استقراراً فعلياً.
رغم أنّ هنالك اتفاقات وقرارات تحمل إمكانيات الحل وحتى خرائطه، وتم إقرارها على مستوى توافقات إقليمية واسعة، أو على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ورغم أن هذه القرارات قد أُنجزت بما يشبه الإجماع بين روسيا والصين من جهة والغرب من جهة ثانية، إلا أنّ أياً منها لم يصل إلى تنفيذ فعلي حتى اللحظة.
طريقة التعامل الغربي مع مختلف هذه القرارات خلال كل الأعوام السابقة، قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ الغرب لم يقبل بهذه القرارات إلا كجزء من مناورة طويلة الأمد وظيفتها تخدير الطرف المقابل، ريثما يجري تغيير الواقع تدريجياً وصولاً إلى تحقيق الأهداف الأولى نفسها التي يحملها الغرب اتجاه الملفات الإقليمية المختلفة.
إذا نظرنا إلى طريقة تعامل الغرب مع اتفاق مينسك مثلاً، فسنجد أنه لم يتوقف عن تكرار موافقته الشكلية عليه، بينما لم ينفذ أي بندٍ فيه، بل وعمل على تغيير الوقائع على الأرض بحيث ينسف الاتفاق من جذوره، بما في ذلك دعمه المطلق لكل الإجراءات التعسفية والعنصرية التي قامت بها كييف طوال ثماني سنوات.
كذلك يفعل الغرب مع 2254، فيستمر في تعزيز تقطيع البلاد، وفي تعزيز مواقع المتشددين من الطرفين، وتشجيعهم بكل الأشكال الممكنة على تعطيل وعرقلة عملية التفاوض... وعلى الأرض يجري تجريف سورية من سكانها، وقتل شعبها جوعاً وبرداً وإفقاراً، ليس بالعقوبات وحدها، بل وأيضاً بالفساد الكبير المتغول والمرتبط في نهاية المطاف بالغرب نفسه، شأنه شأن الأوليغارك في كل من روسيا وأوكرانيا، هذا الفساد الذي ازداد في سورية تغولاً وانحداراً نحو الاقتصاد الإجرامي، بالاستفادة من العقوبات نفسها.
ضمن هذه الإحداثيات، فإنّ أول ما ينبغي التعاطي معه جدياً هو: أنّ إقدام روسيا، ومعها الصين عملياً، على الدخول في مواجهة مفتوحة مع الغرب مجتمعاً، ليس مفاجأة إطلاقاً بل هو أمر محسوب مسبقاً... هو طبعاً مفاجأة بالنسبة لأبواق المتشددين في النظام والمعارضة، تماماً كما تفاجئهم أية حقيقة موضوعية خارج فقاعة الخيال التي يعيشون ضمنها.
مواجهة مفتوحة بهذا الحجم وبهذا المستوى، تعني أن العالم بأسره يعبر الآن ذروة التصعيد قبل الانتقال إلى تثبيت كاملٍ للتوازن الدولي الجديد. والاحتمالات ضمن هكذا مراحل، تبقى مفتوحة باتجاه التقدم أو التراجع، رغم أنّ مختلف المؤشرات حتى الآن تدل على أنّ الاتجاه ما يزال ثابتاً نحو مزيد من صعود الصاعدين، ومزيد من تراجع المتراجعين.
بالعودة إلى سورية، فإنّ ما كان يعيق التقدم فيها نحو تنفيذ 2254، وبالإضافة إلى أدوار المتشددين من الطرفين، هو بلا شك حالة الاستعصاء الدولي التي يسعى الغرب ضمنها طوال الوقت إلى تقديم إيهامٍ وإيحاءٍ بأن الوصول إلى توافقات ممكنٌ في يومٍ ما، بينما يعمل بشكل معاكس تماماً على الأرض.
بالنسبة لأوزان وأدوار المتشددين أنفسهم، فإنهم يأخذونها بالضبط من هامش المناورة هذا بوجود استعصاء دولي بين القوى الأساسية المؤثرة في الملف.
بعد أوكرانيا، وبسبب درجة الاستقطاب الدولي الحاد، فإنّ الباب بات مفتوحاً على حل الأزمة السورية نفسها، دون مهادنة مع الغرب، ودون اشتراكه حتى إنْ تطلب الأمر... ومن يفكر جدياً بما يريده الغرب حقاً في سورية، وخاصة من وجهة نظر الصهيونية ومصالحها، فلن يغيب عنه أنّ حل الأزمة فعلياً هو خارج كل المصالح الغربية والصهيونية، وأن تلك المصالح لا تتحقق إلا بإخضاع سورية نهائياً، وصولاً إلى إنهائها كوحدة جغرافية إنْ أمكن، أو بالحد الأدنى تحويلها إلى بلد عديم التأثير إقليمياً لعقود قادمة... وهو ما نجحوا للأسف في تحقيقه جزئياً، ولكنه لم يتحقق كلياً، ولم نصل بعد نقطة اللاعودة.
مرة أخرى، فإنّ الصراع الجاري في أوكرانيا، أكبر من أوكرانيا بكثير، وستترتب عليه نتائج على المستوى العالمي، وهذه النتائج تتطلب دوراً وطنياً سورياً فاعلاً لتثمير الإيجابي منها لمصلحة البلاد وأهلها، ولتحييد السلبي... ولذا فإننا بحاجة كسوريين، وأكثر من أي وقت مضى، للدفع نحو تنفيذ سريع وكامل للقرار 2254 وبجوهره الذي يحفظ وحدة سورية ويعيد السيادة عليها إلى شعبها، ويخرج منها القوات الأجنبية وأولها «الإسرائيلية» (التي لم يعد يمكن إخفاء تصاعد تناقضها مع روسيا نفسها كجزء من التناقضات الشاملة بين الغرب وروسيا)... والدفع لتنفيذه (بمن حضر) من القوى الدولية والإقليمية التي لها مصلحة فعلية في تنفيذه، (وبمن حضر) من القوى السورية التي تريد الحل السياسي فعلاً وتعمل من أجله...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1060