بيانات استيراد الزيت تدحض ذرائع «حكومة رَفْع الأسعار»
قامت وزارة التجارة الداخلية و«حماية المستهلك» بتحديد سعر اللتر الواحد من زيت دوار الشمس عبر «البطاقة الذكية» بـ 7200 ليرة، وبعبوة واحدة فقط شهرياً للعائلة، كقرار ساري المفعول اعتباراً من السبت 6 تشرين الثاني 2021، لتنهال عليها انتقادات محقّة سواء من المواطنين أو الخبراء (حتى في الجرائد الرسمية) بأنّ هذا السعر أعلى بكثير من الأسعار العالمية، وفيه هامش ربح فاحش. نحاول في المادة التالية حساب معدّلات أرباح مستوردي «زيت القلي» النباتي، بطريقتين (أو سيناريوهين)، وفي ظلّ التكتّم الرسمي على بيانات الاستيراد إلى سورية، بحيث تكون كافية لحساب دقيق، لا يسعنا إلا اللجوء إلى المنشورات العالمية والتصريحات المتداولة، ومع ذلك فإنّ أكثر الحسابات تفاؤلاً، وأكثرها تشاؤماً، تشير إلى نسب أرباح لا يمكن وصفها سوى بأنها نهب مكتمل الأركان، حيث وجدنا بالطرق المختلفة أنّ معدل الربح لا يقل عن 100% وقد يصل إلى 746%!
يعادل سعر زيت دوار الشمس المطروح في صالات «السوريّة للتجارة» حوالي 2 دولار لليتر، في حين يباع الليتر في كثير من دول العالم، وغير «مدعوم»، بنحو دولار إلى دولار ونصف (أو ما يعادل 3500 ليرة إلى 5200 ليرة). فما بالك بأرباح السوق «غير الذكية» حيث لا يقل سعر العبوة المماثلة فيها عن 9500 ليرة، بل ووصلت أحياناً إلى 11 ألف ليرة (حوالي 3 دولارات)؟!
طريقة حساب أولى
لنحاول بدايةً حساب أرباح تجارة الزيت المستورد في سورية منطلقين من بعض الأرقام التي أدلى بها الخبير الاقتصادي عمار يوسف في تصريحه لصحيفة (الوطن) المحلية يوم الأحد 7 تشرين الثاني الجاري، حيث قال: إنّ «أقرب دولة منتجة للزيت النباتي من الممكن الاستيراد منها هي أوكرانيا»، وأن «سعر الطن المتري الواحد المستورد من أوكرانيا، والذي يعادل 1100 ليتر زيت، كان منذ ستة أشهر بحدود 450 دولاراً، وشحنه إلى سورية يقارب 280 دولاراً، أي: إن سعر الليتر الواحد عند وصوله إلى مرفأ اللاذقية بحدود 1250 ليرة من دون الضرائب الجمركية وغيرها من التكاليف الأخرى». وإذا تابعنا الحساب الذي بدأه هذا الخبير الاقتصادي، وأضفنا الضريبة الجمركية السورية على زيت دوار الشمس (المذكورة في موقع مركز التجارة العالمية ITC) ألا وهي 1,9% يصبح سعر الليتر الواحد بعد الجمركة 1274 ليرة.
وحتى لو افترضنا جدلاً أنّ كلفته واصلاً إلى منفذ البيع للمستهلك وصلت إلى 1300 ليرة مثلاً، سيبقى الربح فاحشاً: فحسب تسعيرة وزارة «حماية المستهلك» (7200 ل.س) التي تبلغ وفق هذا الحساب ما لا يقل عن خمس مرات ونصف من سعر التكلفة، يكون معدّل الربح المنتزع من جيب المواطن لا يقل عن 450%! أما تاجر السوق «غير الذكية» إذا باع الليتر بـ 9500 ليرة (يعني بأكثر من سبعة أضعاف التكلفة) فمعدّل ربحه لا يقل عن 630% وإذا باعه بـ 11 ألف ليرة فمعدل ربحه 746%!
طريقة حساب ثانية
قد يقول قائل: إنّ حسابنا أعلاه «مبالَغ به»، وذلك مثلاً لأنّه يتجاهل بلدان المصادر الأخرى التي تمّ استيراد زيت دوار الشمس منها إلى سورية. ولكي نأخذ تنوّع مصادر استيراد هذه السلعة بعين الاعتبار، ربما تكون أفضل طريقة هي أنْ نأخذ سعر الاستيراد الوسطي المحسوب على أساس بيانات استيرادها التفصيلية الفعلية إلى سورية، والمنشورة على موقع «مركز التجارة العالمية»، حيث كانت أحدث معلومة مذكورة على موقع المركز المذكور، هي: أنّ السعر الوسطي لاستيراد هذه السلعة إلى سورية عام 2020 هو 990 دولاراً للطن المتري الواحد من هذا المنتوج الذي يحمل «كود العنوان»HS 1512 وفق «نظام التوصيف والتشفير المنسَّق للبضائع العالمية» (HS) والذي يعني تحديداً أيّ منتوج يطابق الوصف التالي «زيت بذور دوار الشمس أو بذور القرطم أو بذور القطن وأجزائها، سواء المكررة أو غير المعدلة كيميائياً».
وهكذا يمكننا إعادة الحساب كما يلي: كلفة استيراد اللتر الواحد من زيوت الأنواع المذكورة إلى سورية بالدولار- وقبل الجمركة- هي 990 دولار وبتقسيم 1100 لتر (حجم الطن المتري من الزيت) فينتج 0,9 دولار للتر الواحد، ثم نضيف عليه الضريبة الجمركية 1,9% فيصبح 0.9171 دولار/ لتر، وبالتالي الخلاصة هي أنّ 3210 ليرة سورية فقط هي التكلفة الوسطية لاستيراد الليتر الواحد من «زيت القلي» إلى سورية (متضمناً الجمركة).
وأيضاً حتى لو افترضنا جدلاً أنّ كلفته واصلاً إلى منفذ البيع للمستهلك وصلت إلى 3500 ليرة مثلاً (بالغنا بالرقم عمداً)، فسوف يبقى الربح فاحشاً وفق تسعيرة وزارة «حماية المستهلك» (7200 ل.س) التي لا تقل عن ضعف سعر هذه التكلفة، أي أنّ معدّل الربح المنتزع من جيب المواطن لا يقل عن 100%، أما تاجر السوق «غير الذكية» فإذا باع الليتر بـ 9500 ليرة (يعني بأكثر من 2,7 مرة من سعر التكلفة) فمعدّل ربحه لا يقل عن 171% وإذا باعه بـ 11 ألف ليرة فمعدل ربحه 214%!
مع هذه النسب الهائلة بربح سلعة غذائية مهمّة، وسط التجويع وباقي جوانب النهب التي يعاني منها الشعب السوري، لا يسعنا إلا أن نتذكّر تلك الملاحظة التي استشهد بها ماركس في كتابه «رأس المال»، والتي ما زالت صحيحة، حيث أكّد أنّ معدّل ربح 100% سيجعل رأس المال جاهزاً «للدوس على جميع القوانين البشرية» وأنّ معدّل ربح 300% سيجعله «لا يتورّع عن ارتكاب أية جريمة، أو مغامرة خطرة حتى لو أدت إلى الإطاحة برأسه»!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1043