افتتاحية قاسيون 1026: لماذا انزعج البعض من 2585؟
أقر مجلس الأمن الدولي بالإجماع، يوم الجمعة الفائت، القرار 2585 المتعلق بإيصال المساعدات العابرة للحدود والعابرة لخطوط النزاعات، وكانت قاسيون قد أشارت في افتتاحيتها الماضية (رقم 1025)، ما قبل القرار إلى أنّه «مما لا شك فيه أنّ بين الأطراف السورية والإقليمية، وحتى الدولية، من لا تطربه نهائياً احتمالات توافق روسي أمريكي، لما تعنيه تلك الاحتمالات من تقريبٍ للحل وبالتالي للتغيير، وهؤلاء يعوّلون على أنّ الخلاف إنْ حدث حول هذه المسألة فإنه سيسمح بخلق جوٍ ينسف أية توافقات جرت أو ستجري... وهذا الأمر بعيد عن الواقع...»، وهو ما حدث فعلاً...
فقد تسبب القرار بخيبة واسعة شملت أوساطاً محلية وإقليمية ودولية من أطراف تبدو متناقضة أشد التناقض. ما يتطلب تفسيراً إضافياً لمعنى هذا القرار وأبعاده، والتي تتجاوز بكل تأكيد حدود المسألة الإنسانية...
لا بدّ من الإشارة بداية إلى مسألة شديدة الأهمية ضمن القرار الجديد، هي أنه ليس مجرد تمديد للقرار السابق ذي الرقم 2533 لعام 2020 كما يحاول كثيرون أن يوحوا؛ فهو لم يمدد عمل معبر باب الهوى فحسب، بل وهو أول قرار يضع الدول المتدخلة جميعها، والمجتمع الدولي ككل، أمام مسؤولية تمرير المساعدات عبر ما سمّاه «خطوط النزاع»، أي الخطوط التي تفصل بين مناطق السيطرة المختلفة ضمن الأراضي السورية نفسها. وعبر هذه الإضافة، وإسنادها بإضافات أخرى تتعلق بالوضع الإنساني ضمن الوباء، فإنّه بهذا المعنى خطوة أولى عملية لمواجهة حالة «تقسيم الأمر الواقع»، لأنّ فتح الشرايين الاقتصادية بين أرجاء البلد الواحد أمر لا غنى عنه في الطريق لاستعادة وحدة البلاد.
ورغم الأهمية القصوى للمسألة الإنسانية في الحالة السورية، إلا أنّ البعد السياسي لهذا القرار، والذي يمكن فهم «الامتعاض» و«الخذلان» بناء على فهمه، يتكثف بالنقاط التالية:
أولاً: راهن المتشددون من كل الأطراف على عدم الوصول إلى توافق حول القرار لعل ذلك يفشل أي توافق أكبر، كما أسلفنا... ولأنّ رهانهم كان كبيراً، فقد انقلب عليهم خيبةً وخذلاناً، وبشكل سريع.
ثانياً: المشروع الذي جرى تقديمه بشكل مشترك من أربع دول كانت من بينها روسيا والولايات المتحدة، وبالتوازي مع اتصال هاتفي بين رئيسي الدولتين تطرق لهذه النقطة بالذات، هو مؤشر إضافي على أنّ «الاختبار» قد نجح، وأنّ حجم التوافقات التي تم التوصل إليها حتى الآن، يسمح بالسير قدماً، وإنْ كان لا ينبغي أن يُفهم من ذلك أن التوافق قد اكتمل، ولكنه بالتأكيد قد سار بضع خطوات إلى الأمام.
ثالثاً: ربما الأكثر لفتاً للانتباه هي مواقف بعض الدول الأوروبية وغيرها من الدول والأطراف الإقليمية المتدخلة في الشأن السوري، والتي عبّرت بشكلٍ موارب عن خيبتها من الاتفاق على القرار، وهو ما يعكس خشيتها من تحجيم دورها في حال تم الوصول إلى توافق روسي أمريكي...
بالنسبة للمتشددين من الأطراف السورية، فإنّ ارتفاع احتمالات التوافق باتجاه آليات تنفيذ القرار 2254 تعني تقلص مساحات المراوغة والتلاعب وتضييع الوقت، ولذا ليس مفاجئاً نهائياً أن يشعروا بخذلان واسع، بل وأن يعبروا عنه صراحة...
بكل الأحوال، فإنّ أي رضوخ أمريكي باتجاه الحل، لن يكون إلا ضمن المنطق العام الذي وضحته افتتاحية قاسيون (رقم 1024) المعنونة «رهان الوطنيين السوريين»، أي ضمن عمليات الانسحاب الأمريكي الاضطراري من كامل منطقتنا، والتي ستسعى واشنطن أن تترك خلالها أكبر قدر من الألغام، وعلى الوطنيين السوريين أن يفككوا تلك الألغام عبر تفعيل الاصطفاف الوطني الحقيقي للمنهوبين من كل الأطراف في وجه الناهبين والمتشددين الذين لن يحمل لهم المستقبل سوى خيبات أعظم وخذلانٍ أوسع...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1026