حرائق الغابات المفتعلة تعود مجدداً  هل تغيّرت الجاهزية الحكومية أم ستتكرر مآسي الخريف؟

حرائق الغابات المفتعلة تعود مجدداً هل تغيّرت الجاهزية الحكومية أم ستتكرر مآسي الخريف؟

تجدّدت الحرائق في غابات اللقبة بريف مصياف للمرة الثالثة على التوالي خلال الأسبوع الماضي، وسط تأكيدات من أهالي المنطقة وشهود عيان بأنها حرائق مُفتَعَلة. حيث أفادوا بأن أحد الأشخاص أضرم النار عند الساعة 10:15 من ليل الخميس، 1 تموز، بمنطقة مهجورة وهرب، فامتدت النيران والتهمت 3 دونمات.

أعلن رئيس مركز حماية الغابات في مصياف مدين العلي أن 65 رجل إطفاء تمكنوا فجر الجمعة من السيطرة على الحريق الذي بدأ بالاندلاع في حراج اللقبة في ريف مصياف الشمالي الغربي ( في ريف حماة) ليل الخميس. لافتاً إلى أن «التحقيقات جارية لكشف الفاعل والقبض عليه». وأوضح أنه بعد إخماد الحريق تم تبريده وعزله بواسطة 3 صهاريج وبمساعدة أهالي المنطقة، وفق ما نقلته صحيفة «الوطن». وأشار إلى أن النيران التهمت حوالي 3 دونمات من الحراج والأراضي الزراعية.
وكانت وكالة سانا الرسمية للأنباء قد نقلت الخميس، 1 تموز، بعد بدء الحريق الأول بمنطقة اللقبة بمصياف، تصريحات لرئيس مركز حماية الغابات مدين العلي بأن 30 عامل إطفاء و5 صهاريج أرسلت إلى منطقة الحريق التي تتصف بأنها شديدة الوعورة لافتاً إلى أن الحريق اندلع في أعلى قمة تلة حراجية. ونقلت سانا عن أحد المواطنين إشارته إلى أن أهالي القرية «بدأوا منذ اللحظات الأولى بالتعاون مع فرق الإطفاء بإخماد الحريق رغم الصعوبات الكبيرة بسبب كثافة الغطاء النباتي ووعورة تضاريس المنطقة وغياب خطوط النار والطرق الزراعية وتعذر وصول آليات الإطفاء إلى مكان النيران فضلا عن هبوب رياح شديدة تسعر النار وتؤججها».
وفي 29 نيسان الماضي، كانت الحراج الواقعة غرب وادي حيالين بريف مصياف على طريق مصياف- القدموس، قد شهدت حريقاً توجهت فرق الإطفاء للسيطرة عليه آنذاك.

تزامن الحريق المفتَعل مع ارتفاع احتمال حريق طبيعي

يجدر بالذكر بأن هذه الحرائق المفتعلة جاءت بالتزامن مع التحذير الجديد الذي أطلقته «منصة الغابات ومراقبة الحرائق FIRMO» (والتي أنشئت في 20 نيسان 2021) على صفحتها الرسمية في الفيسبوك من وجود مؤشرات متوسطة إلى مرتفعة لمستويات خطر نشوب الحرائق مع وجود مناطق عالية الخطورة، وتحديداً أنّ الخرائط تبدي مؤشرات لارتفاع ملحوظ بخطورة الحريق لغابات شمال غربي سورية للأيام الثلاثة (بين 1 و3 تموز 2021) حيث تتراوح بين المتوسط والمرتفع مع وجود مساحات ملحوظة ضمن مؤشر «الخطورة المرتفعة جداً». فهل انتهز مشعلو الحرائق الأيام التي تتنبأ التوقعات العلمية فيها خطورة «طبيعية» عالية لاندلاع الحريق، وخاصة أننا قد نشهد عدة أوقات كهذه في فصل الصيف الحالي الذي لم نصل إلى ذروات ارتفاع الحرارة فيه بعد؟
ولكن تغيرت الظروف الجوية قليلاً منذ الأحد، فنشرت صفحة فيسبوك الرسمية لـ«منصة الغابات ومراقبة الحرائق FIRMO» في سورية، صباح الأحد، 4 تموز 2021، توقعاتها العلمية حول احتمالات نشوب حرائق لأسباب طبيعية في غابات شمال غرب سورية للأيام الثلاثة القادمة (4 إلى 7 تموز). وقالت المنصة في منشورها الجديد اليوم «تراجُعٌ واضح لمؤشرات خطورة الحريق للفترة من 4-7/7/2021، حيث يسيطر مستويا الخطورة المنخفض والمتوسط على معظم أراضي الغابات في شمال غرب سورية».
وأضافت المنصة «كما تظهر بعض المواقع ضمن مستوى الخطورة المنخفض جداً، مع بقاء بعض المواقع المحدودة جداً تحت تأثير مستوى الخطورة المرتفع».
بدورها نقلت وكالة سانا السورية الرسمية عن الأرصاد الجوية صباح الأحد توقعاتها بـ«ميل درجات الحرارة للانخفاض لتصبح حول معدلاتها نتيجة تأثر البلاد بامتداد ضعيف لمنخفض جوي في طبقات الجو كافة مرفق بكتلة هوائية معتدلة ورطبة».
ويجدر بالذكر بأنّ «منصة الغابات ومراقبة الحرائق» تعرّف ثلاثة مستويات لخطورة اندلاع الحرائق الطبيعية كما يلي:
(1) مستوى خطورة الحريق المتوسط: غالباً ما يبدأ من أراضي أعشاب، ويمكن السيطرة عليه في أغلب الحالات.
(2) مستوى الخطورة المرتفع: تشمل الحرائق جميع أنواع الوقود (الأعشاب، والفرشة الغابية الناعمة والخشنة) وتصبح خطرة على المنحدرات يمكن السيطرة عليها في حال مواجهتها في بدء النشوب.
(3) مستوى الخطورة المرتفع جداً: تترافق مع حرارة وجفاف ورياح، لذلك فإنها تنتشر بسرعة ويتطلب الإخماد فيها جهوداً منظمة وشاملة.

هل تحسنت جاهزية مكافحة الحرائق؟

هذا يعني بأنّه في حال نشبت حرائق خلال الأيام القليلة القادمة فسيكون مبررها الطبيعي ضعيفاً علمياً، ويجب على الجهات الحكومية المسؤولة والمعنية رفع حالة اليقظة وإعداد خطة واضحة ليس بالأقوال والتصريحات، بل بالقيام بإجراءات عملية حقيقية. وإذا كانت تنوي مكافحة جدية واحتواء لأية حرائق قادمة فيجب عليها أن تستفيد من الأخطاء والنواقص الخطيرة التي انكشفت خلال الموجة السابقة من الحرائق المفتعلة المشؤومة سيئة الذكر في الخريف الماضي.
رغم تكرار الحرائق سنوياً، لكن ما زالت طرق الإطفاء الجوي بالحوامات غير واردة بشكل جدّي في خطط الحكومة السورية على الرغم من أنّها عند كل حريق تكرر الحديث نفسه كالذي نقلته سانا بالنسبة لهذا الحريق الجديد عن أنّ «الأحراج في هذه المناطق تشهد سنوياً اندلاع العديد من الحرائق ما يتسبب بخسارة مساحات واسعة من الثروة الحراجية والحقول الزراعية جرّاء وعورة المنطقة وصعوبة وصول سيارات الإطفاء إليها للتعامل مع هذه الحرائق في الوقت المناسب».
وسبق أن أشارت صحيفة «قاسيون» في تحليلاتها حول الموجة الماضية من الحرائق الخريفية سنة 2020 إلى التراجع الكبير في الإنفاق على خدمات الدفاع المدني. ففوج إطفاء اللاذقية على سبيل المثال معني بحرائق قد تطال 85 ألف هكتار من أراضي الغابات، ولكنه لا يمتلك سوى 34 سيارة إطفاء، كان على كل سيارة منها أن تغطي وسطياً مساحة تفوق 200 هكتار من الحرائق في الحريق الأخير الممتد على أكثر من 7000 هكتار في اللاذقية وحدها. كما بينت سلسلة الحرائق أن مستوى انخفاض الإنفاق والخدمات متدنٍ إلى حدّ أن عمال فوج الإطفاء يطالبون بأجهزة لاسلكية للتواصل فيما بينهم لم يتم توفيرها.
يجدر بالذكر أنّه رغم تكرار الحديث عن ضرورة تأمين وشراء حوامات خاصة بإطفاء الحرائق، وزيادة أعداد طواقم العاملين في أجهزة الإطفاء مع تأمين المستلزمات الضرورية لهم، بالإضافة إلى ضرورة زيادة أعداد سيارات الإطفاء، وأهمية زيادة أعداد طواقم الدفاع المدني مع تأمين مستلزماتهم الخاصة بالعمل، وأهمية زيادة أعداد العاملين في الحراج، مع اختلاف مهامهم ولوازمهم وفقاً لمهام كل منهم– لكن أياً من ذلك لم يتم رغم كل الحاجة والضرورة التي تفرضها الوقائع وتكرار الحرائق.

1025-i1

معلومات إضافية

العدد رقم:
1025