متى سترفع الولايات المتحدة عقوباتها عن سورية؟

سبق أنْ نشرت قاسيون خلال السنوات الماضية عدداً كبيراً من المقالات التي وضّحت فيها بالتفصيل، جوانب عديدة من الآثار المدمرة للعقوبات الأمريكية والغربية على سورية، ووضحت كيف يستفيد حيتان الفساد الكبير وتجار الحرب من هذه العقوبات، كما بيّنت حجم الكذب والنفاق في القول إنّ العقوبات تستهدف النظام لا الشعب، وأنها تستثني الغذاء والدواء... وضمن النسخة الإلكترونية من هذا المقال، سننشر روابط جزء من هذه المقالات لمن يرغب بالرجوع إليها. ولكن كما أسلفنا، سنحاول هنا حصر مهمتنا بطرح سؤال واحد، خصوصاً على القسم من السوريين الذين يدعمون ويهللون للعقوبات الأمريكية على سورية: متى برأيكم سترفع الولايات المتحدة عقوباتها عن سورية؟
يبدو أن معظم مؤيدي العقوبات المفروضة على سورية، ولا سيما عقوبات قيصر، يقنعون أنفسهم بأن هذه العقوبات مؤقتة وسيتم رفعها بمجرد أن يكون هناك حل سياسي وانتقال سياسي في سورية، أو حتى حين يجري «تغيير سلوك النظام» كما يقول الأمريكان. هذا بالتأكيد ما يحاول المسؤولون الأمريكيون الإيحاء به عندما يتحدثون عن العقوبات، لكنهم لا يقولون ذلك في الواقع، لأن هذه ليست نيتهم، وليست طريقتهم في العمل أصلاً... وهذا ما أثبتوه بالملموس، ليس بما يخص سورية فقط، بل وفي كل برامج العقوبات التي فرضوها، والتي سنأخذ مثالين عنها إضافة للمثال السوري، وهما: العراق وكوبا.

مثال العراق

في الحالة العراقية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على العراق منذ عام 1990 خلال الأحداث التي أدت إلى حرب الخليج الثانية؛ وجاءت العقوبات «رداً على غزو العراق للكويت في 2 آب 1990»، وذلك وفقاً لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (الوكالة الحكومية الأمريكية التي تدير وتنفذ العقوبات الاقتصادية والتجارية). وفُرضت عقوبات إضافية قبل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
فرضت الأمم المتحدة أيضاً عقوبات على العراق بدءاً من عام 1990 وتم رفعها إلى حد كبير بعد احتلال العراق عام 2003... العقوبات الأمريكية التي فُرضت عام 1990، ما تزال مستمرة حتى الآن... هل يحتاج مؤيدو العقوبات على سورية أن نكرر الجملة السابقة مرة أخرى لكي يفهموها؟ سنكررها باستخدام المصطلحات التي يستخدمونها هم: العقوبات الأمريكية التي فُرضت على «نظام صدام حسين»، ما تزال مستمرة بعد 18 عاماً من «سقوط نظام صدام حسين»...

مثال كوبا

أقدم برنامج عقوبات معمول بها على الإطلاق، هو البرنامج الذي لا تزال الولايات المتحدة تطبقه على كوبا، والذي تجاوز الآن 63 عاماً، بدءاً من حظر الأسلحة في عام 1958.
يشبه برنامج العقوبات على كوبا إلى حد كبير قانون قيصر؛ فإضافة إلى كونهما مخالفين للقانون الدولي، فإنّ العقوبات على كوبا كما قيصر، تتضمن آثاراً «ثانوية وثالثية»، أي إن نطاقها يتجاوز الكيانات التي تجري معاملات وتجارة مباشرة مع الحكومة الكوبية والكيانات الكوبية.
يوم 23 من الجاري، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة، وللمرة التاسعة والعشرين على التوالي، على قرارٍ يطالب بإنهاء الحصار الاقتصادي الأمريكي على كوبا، وبأغلبية 184 صوتاً مع القرار، وصوتان فقط ضده، هما الولايات المتحدة وربيبتها «إسرائيل»... ورغم ذلك، فإنّ واشنطن تهزأ بالعالم بأسره، وتواصل فرض عقوباتها على كوبا.
خلال حملته لانتخابات عام 2008، تحدث الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما عن تخفيف الحظر المفروض على كوبا، وهو ما يُفترض أنه حاول القيام به، ولكن جرى تصوير الأمور على أنّ «النوايا الطيبة للرئيس الأسود» قد اصطدمت بالكونغرس الذي لم يسمح له بذلك. وتجدر الإشارة هنا إلى أن استطلاعات الرأي أظهرت في حينه دعماً متزايداً من قبل الأمريكيين لرفع العقوبات، خاصة بين الأمريكيين الكوبيين، لذا كان من السهل أن يستخدم أوباما هذه المسألة خلال حملة الأكاذيب الانتخابية.
ما حدث في النهاية، هو أنه جرى في عهد أوباما استئناف جزئي للعلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا، وجرى التراجع عنه بعد ذلك. وفي 11 نيسان 2015، التقى أوباما مع راؤول كاسترو، وهو أول اجتماع من نوعه منذ أكثر من 50 عاماً (فيما بعد زار أوباما أيضاً نظيره الكوبي في هافانا). كانت هناك أيضاً إجراءات معينة مثل تخفيف حظر السفر إلى كوبا، ولكن العقوبات لم ترفع.

الحالة السورية

تعود العقوبات الأمريكية على سورية إلى عام 1979، عندما صنفت الولايات المتحدة سورية «دولة راعية للإرهاب». وفرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية على سورية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم وسّعتها بشكل كبير في عام 2011، ووصلت إلى ذروتها مع قانون قيصر لعام 2019 (الذي دخل حيز التنفيذ في حزيران 2020). وعلى الرغم من تغير ظروف عديدة منذ عقوبات 79 حتى الآن، بما في ذلك حصول فترات من التقارب العلني، إلا أنّ كل برامج العقوبات التي فرضت منذ ذلك الوقت لا تزال سارية المفعول حتى الآن.
وهكذا، وكما يتضح من الأمثلة السابقة بما في ذلك المثال السوري، فإن الولايات المتحدة تفرض عقوبات تحت أية ذريعة كانت وبغض النظر عن شرعيتها أو حتى منطقيتها. ومع ذلك، ليس من الواضح أبداً متى يتم رفع العقوبات الأمريكية عن أية دولة أو كيان، حتى عندما تنتهي الأسباب التي قيل إنها أدت في المقام الأول إلى فرضها.
هناك من هو مقتنع بأنه إذا كانت هناك عملية سياسية تؤدي إلى انتقال سياسي وتغيير للنظام، فإن هذا سيؤدي تلقائياً إلى رفع الولايات المتحدة عقوباتها عن سورية، ولكن كما يوضح التاريخ في سورية وغيرها، فإنّ التغيير السياسي ليس ضمانة لرفع العقوبات، بل إنّه من شبه المؤكد أنّ العقوبات ستستمر بغض النظر أحصل تغيير أم لم يحصل...

لن تُرفع العقوبات الأمريكية ولكن ستنتهي

من المهم أن نلاحظ أن حالة القطبية الأحادية التي احتكرتها الولايات المتحدة لأكثر من 30 عاماً، هي التي مكّنتها من فرض هذه الأنواع من الإجراءات على بلدان مختلفة حول العالم والاستمرار في هذه الأنواع من السياسات. ومع ذلك، فإن التغييرات الجارية في ميزان القوى الدولي، (وضمناً الاستياء حتى من قبل الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة بشأن سياسات «البلطجة»)، ترجح أنّ انتهاء عقلية وآثار الأحادية القطبية وضمناً الإجراءات القسرية كالعقوبات أحادية الجانب، لم تعد بعيدة بالمعنى التاريخي...
ما ينبغي علينا كسوريين أن نعمل عليه، ضمن السعي إلى حل سياسي شامل عبر تطبيق 2254، هو أنْ نحصّن أنفسنا ضد العقوبات الأمريكية على المدى الطويل. علينا الانطلاق من فرضية عالية الاحتمال هي أنّ العقوبات ستستمر حتى بعد تنفيذ 2254... الأمر الذي يحتّم علينا ليس فقط المطالبة بإنهاء العقوبات، بل وأيضاً العمل من أجل أن نخفّض إلى الحدود الدنيا علاقتنا بالمنظومة الدولارية، وننهيها إنْ استطعنا، بمقابل توسيع علاقات متكافئة مع المنظومات البديلة... وهذا نفسه يحتاج إلى تطبيق 2254 والبدء بعملية التغيير الجذري الشامل، لأنّ تجار الحرب والفاسدين الكبار من الطرفين، والمتحكمين بمقاليد الأمور، مرتبطون بحبل السرة مع الدولار، ولا نية لديهم ولا رغبة ولا مصلحة بالانفكاك عن الدولار...