ما هي القصة الحقيقية لتغريدة الخارجية الأمريكية حول الجولان السوري المحتل؟
نشر حساب تويتر الرسمي لقسم الشرق الأدنى ضمن وزارة الخارجية الأمريكية يوم الجمعة الماضي 25/6 التغريدة التالية: U.S. policy regarding the Golan has not changed, and reports to the contrary are false. (سياسة الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه الجولان لم تتغير، والتقارير التي تقول عكس ذلك كاذبة)، فما هي القصة وراء هذه التغريدة، ولماذا الآن؟
خلال اليومين الماضيين، تداولت وسائل الإعلام المختلفة التغريدة السابقة مع قصة محددة تبدأ قبلها بيومٍ واحد؛ حيث نشرت مواقع وصحف «إسرائيلية» أخباراً عن قرار (تم اتخاذه أو سيتم اتخاذه) من إدارة بايدن، يقضي بالتراجع عن المرسوم الذي أصدره ترامب يوم 25 آذار 2019 واعترف ضمنه بما سمّاه «سيادة إسرائيل على الجولان» السوري المحتل... واستندت كل هذه الصحف والمواقع «الإسرائيلية» إلى مصدر واحد هو موقع أمريكي اسمه The Washington Free Beacon (بالعربية: منارة واشنطن الحرة).
المقال الذي يعتبر أصل الحكاية ومصدرها، نُشر في موقع (منارة واشنطن الحرة) يوم 24 من الجاري، وحمل عنوان: (Biden Admin Walks Back U.S. Recognition of Golan Heights as Israeli Territory) (إدارة بايدن تتراجع عن اعتراف الولايات المتحدة بمرتفعات الجولان كأراضٍ إسرائيلية).
المعروف عن هذا الموقع أنه موقع ربحي تأسس عام 2012 وليس ذا شهرة واسعة وليس ذا انتشار مهم أساساً. ولكن فوق ذلك هنالك معلومتان مهمتان حول الموقع والمقال. الأولى هي أنّ مالك الموقع هو الملياردير الأمريكي Paul Elliott Singer، وهو جمهوري محافظ سياسياً، وأهم من ذلك فهو واحد من الداعمين المخلصين للكيان الصهيوني ضمن الولايات المتحدة، وله عشرات المشاريع ضمن الكيان، وعشرات المشاريع الداعمة له.
المعلومة الثانية، هي أنّ كاتب المقال هو الصحفي اليهودي (آدم كريدو- Adam Kredo)، الحائز على جائزة بولتزر، والذي يكتب في عدد كبير من الصحف والمواقع إلى جانب موقع (منارة واشنطن الحرة)، بينها مثلاً: (Jerusalem Post، Jewish Week، The Pittsburgh Jewish Chronicle، Jewish Telegraphic Agency، Jewish Policy Center)، وهذه جميعها مواقع وصحف ومراكز أبحاث «إسرائيلية» أو «يهودية».
ببساطة: «الإسرائيليون» وعبر هذه المقالة والردود عليها، كانوا يلعبون بينغ بونغ مع أنفسهم؛ أي هم من أطلق المقال وهم من استندوا إليه ووسعوا نشره وحولوه إلى خبر أساسيٍ تم استخدامه من ضمن أدوات أخرى للوصول إلى الموقف الذي رأيناه في التغريدة التي بدأنا بها... ولكن لماذا هذا كلّه، ولماذا الآن؟
رسالة من 73 عضواً في الكونغرس
قبل يومٍ واحد من مقال كريدو والردود عليه، أي يوم 23 من الجاري، أرسل 73 عضواً ديمقراطياً في الكونغرس الأمريكي رسالة إلى بايدن يحثّونه فيها ليقوم بعكس سياسات ترامب المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك الانسحاب من «صفقة القرن»... وذلك للعودة إلى ما أسماه أصحاب الرسالة (longstanding, bipartisan United States policy- سياسة الولايات المتحدة طويلة الأمد والمتبناة من الحزبين)... وهي السياسة التي كانت أيضاً منحازة بالكامل للكيان الصهيوني، ولكن مع احتلالٍ شكليٍ لموقع «الحكم»... أي إنها كانت الخصم والحكم في آن معاً، وسياسة ترامب أفقدت الولايات المتحدة هذا الموقع وفتحت الباب نظرياً وعملياً لدخول آخرين إليه، وبالتالي فتحت الباب ضمناً لوضع المسألة على سكة حلٍ حقيقي على أساس القرارات الدولية، لأنّ هيمنة الولايات المتحدة على الملف كانت تعمل بشكل مستمر على إغلاق أفق الحلّ، وإغلاق الطريق أمام وصول الشعب الفلسطيني إلى حقوقه...
بالعودة إلى الحديث عن الجولان السوري المحتل بشكل خاص، (وهي ليست مسألة منفصلة بأية حال من الأحوال عن القضية الفلسطينية)، فإنّ الرسالة المشار إليها، لم تذكر الجولان السوري نهائياً رغم أنها تضمنت بنوداً تفصيلية للإجراءات التي يقترحها أصحاب الرسالة على الرئيس الأمريكي؛ مثلاً العودة إلى رفض شرعنة عمليات الاستيطان، وإلى رفض عمليات التهجير القسري الجارية في القدس (وهذا كله ليس إلا كلاماً للبيع، بمقابل أنّ التطبيق يبقى بالاتجاه نفسه، ولكنّه كما أسلفنا يأتي في سياق محاولة استعادة دور الحكم أو الوسيط). ومع ذلك، فإنّه من الممكن أن يُفهمَ من نص الرسالة التي طالبت بعكس الإجراءات التي قام بها ترامب، أنّ مسألة اعتراف الولايات المتحدة بالجولان السوري المحتل «أرضاً إسرائيلية» هو أحد الإجراءات التي ينبغي التراجع عنها.
بهذا المعنى، فإنّ مصدر مقال كريدو والمقالات والأخبار «الإسرائيلية» الأخرى التي تلته هو هذه الرسالة بالذات... ولكن هنالك ما هو أبعد من ذلك...
الجولان و2254
لم يرشح الكثير بعد عمّا تضمنه لقاء بوتين بايدن يوم 16 من الجاري بما يخص سورية. ولكنّ هذا السلوك الإعلامي الصهيوني المتعلق بالجولان، هو نفسه يحمل تسريبات ضمنية للاتجاه العام الذي من المتوقع أن تسير ضمنه الأمور، والتي لا يبدو أنها تعجب «الإسرائيلي» نهائياً...
بكلام أوضح؛ فإنّ تطبيق 2254 بشكلٍ كامل، يتضمن استعادة السيادة السورية على كامل الأرض السورية، والجولان السوري المحتل هو جزء من هذه الأرض. وإنهاء الأزمة في سورية بشكلٍ فعلي وصولاً إلى إرساء استقرار حقيقي، لا يمكن أن يكتمل دون إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» للجولان السوري.
وربما بات واضحاً بالنسبة للـ«إسرائيلي» أنّ استعادة الجولان السوري ستتم وفقاً للقانون الدولي وللتوازن الدولي الجديد، ودون مقابل ترضاه دولة الاحتلال؛ ولذلك فهي تحاول إعادة التأكيد على أنها لن تتخلى بسهولة، وبالوقت نفسه فهي تفتح باب التفاوضات من تحت الطاولة التي تأمل من خلالها أن تصل إلى صفقة ما مع صنف محدد من المتشددين السوريين وبمعونة دولٍ خليجية، لعل وعسى يتحول التنازل عن الجولان إلى صفقة يحصل الإسرائيلي بموجبها على حصة ضمن الحل السياسي السوري تتمثل في أمرين أساسيين ربما: محاولة الحفاظ على بنية ضعيفة وفاسدة، ومحاولة إدخال ألغام تفتيتية إستراتيجية ضمن البنية السياسية القادمة...
مهمة الوطنيين السوريين واضحة تماماً في هذا الشأن: حصة الكيان من الحل يجب أن تكون صفراً... وحصة السوريين من الجولان السوري المحتل، هي الجولان السوري المحتل كلّه، وأيّة مساومات دنيئة لن يكتب لها ولأصحابها سوى العار والخسارة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1024