حلفاء لواشنطن: ليس في الجعبة الأمريكية سوى التوريط
بعد المأساة الأمريكية في حرب فيتنام والهزيمة في العراق، تثبت أفغانستان الآن ومجدداً أن الولايات المتحدة غير قادرة فعلياً على كسب الحروب. والواقع أن كل حالة من حالات العدوان العسكري الأمريكي نجمت عن الثقة الذاتية الفائضة من جانب النخب الأمريكية، التي كانت واثقة دائماً من قدرتها العسكرية اللازمة لمواجهة أي عدو، ومع ذلك، فقد أظهر لنا التاريخ بوضوح: أن الأمر ليس على النحو الذي تتمناه الإمبراطورية المتراجعة.
يمكن تفسير أغلب الإخفاقات العسكرية الأمريكية بعددٍ من الأسباب المترابطة. منها: عدم قدرة واشنطن على فهم تعقيد البلد الذي تغزوه والمنطقة التي يقع فيها هذا البلد، وعدم العثور على شركاء جديرين بالثقة على أرض الواقع، فضلاً عن العامل الأهم: وهو مقاومة سكان البلد الذي تغزوه، وفوق ذلك فشل واشنطن في الوفاء بالوعود التي ستقدمها لناخبيها عند إعلان الغزو.
تسخينٌ قُبيل الاتفاقات؟
لم تحقق الولايات المتحدة أية انتصارات حاسمة في أي من الصراعات المسلحة التي خاضتها في «دول العالم الثالث». في الوقت ذاته، أدى الاحتقان الذي نشأ نتيجة للغارات العسكرية الأمريكية- سواء في البلدان التي تعرضت للغزو، أو في الولايات المتحدة نفسها، المتزامن مع العوامل الاقتصادية المتغيّرة- إلى الانحدار السريع للقوة الأمريكية كلاعبٍ أساسي على الساحة الدولية.
رغم ذلك، فإن ضرورات الإنفاق العسكري الذي تتربّح منه النخب الأمريكية الحاكمة دفع الولايات المتحدة باستمرار نحو صراعات جديدة. ولم يكن من قُبيل المصادفة ألّا تكون روسيا فحسب «خصماً للولايات المتحدة» بل الصين أيضاً، الأمر الذي يؤدي إلى تعبئة القوات العسكرية للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) على نحوٍ متواصل، جعل من استعراض العضلات في المناورات العسكرية والاستفزازات على طول حدود روسيا والصين حدثاً تقليدياً ومتواصلاً.
تجمع واشنطن عدداً متزايداً من القوات الأمريكية على الحدود الروسية. وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً، أن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من ألمانيا كما عزم ترامب سابقاً، بل ستزيد من وجودها العسكري، حيث سيتم نشر 500 جندي آخر في القاعدة الأمريكية في مدينة فيسبادن وسط ألمانيا. وستتألف إحدى الوحدتين من قدرات استخباراتية وحرب فضائية وحرب إلكترونية، في حين أن الأخرى مكلفة بتحسين التعاون المتعدد الجنسيات. وخلال زيارة لبرلين، أكد رئيس البنتاغون، لويد أوستن، أن هذه القوات «ستقاتل وتنتصر». إلّا أنه وعلى نطاقٍ واسع، ينظر إلى الموجة الأخيرة من التصعيد الأمريكي بوصفها تسخيناً لعددٍ من الجبهات قُبيل قمة الرئيسين بوتين وبايدن، حيث يحاول الجانب الأمريكي تصريف هذا التسخين على طاولة التفاوض.
السفن النووية وأقراص اليود
بهدف ضمان أعلى درجة من التسخين، أصبحت الرحلات الجوية الاستفزازية في بحر بارنتس وبحر البلطيق والبحر الأسود حدثاً منتظماً وشبه يومي، رغم اعتراض الطائرات العسكرية الروسية لها. وفي الآونة الأخيرة، بدأت واشنطن في دفع حلفائها للقيام بمثل هذه الاستفزازات، على أمل استهلاك هؤلاء الحلفاء كوقود للتصعيد. ومثال على ذلك: استخدام النرويج وقواتها المسلحة في أحدث المغامرات المعادية لروسيا من جانب البنتاغون، حيث سيوسع الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة والنرويج التعاون العسكري بين البلدين، ما يسمح للولايات المتحدة ببناء منشآت على الأراضي النرويجية لدعم عملياتها في المنطقة، بينما ستحصل القوات الأمريكية على «وصول دون عوائق» إلى أية منشآت عسكرية نرويجية. كما يمنح هذا الاتفاق البنتاغون حقوق بناء أي شيء يريده عبر عدد من المرافق، وهي مطارا ريج وسولا الواقعان بالقرب من الساحل الجنوبي للنرويج، وكذلك مطار إيفينز وقاعدة رامسوند البحرية، التي تقع في الجزء الشمالي من البلاد. ويأتي توسيع التعاون العسكري بين البلدين وسط تصاعد التوترات بين روسيا وأوروبا، ولا سيما حول القطب الشمالي.
حسب العديد من وسائل الإعلام النرويجية، يشعر السكان المحليون بالذعر إزاء قرار الحكومة السماح للولايات المتحدة بإنشاء قواعد عسكرية في النرويج. وفي رأيهم أن هذا ليس عنصراً من عناصر الردع، بل على العكس من ذلك، خطوة نحو حرب مع روسيا، حيث يدرك النرويجيون أن المناطق التي يستخدمها الجيش الأمريكي ستصبح بطبيعة الحال أهدافاً أساسية في حالة نشوب صراع عسكري بين الناتو وروسيا، ما سيرتب عواقب وخيمة على النرويج نفسها. ذلك عدا عن أن هذا القرار يضرب عميقاً جذور الدعاية السائدة حول نماذج الرفاه التي ترفض نظرياً دخول أية قوات أجنبية إلى البلاد. رغم ذلك، فإن أول غواصة نووية أمريكية سترسو قريباً في ميناء ترومسو الصناعي المدني بالنرويج، مما أثار- وفقاً لصحيفة في جي النرويجية- جدلاً كبيراً بين السكان المحليين، حيث ينتقد الكثيرون فكرة السماح بدخول الغواصات النووية الأمريكية. وبعد السماح للغواصات الأمريكية بالرسو في ترومسو ستبدأ السلطات المحلية في توزيع أقراص اليود على رياض الأطفال والمدارس «لأغراض وقائية» في حالة تسرب المواد المشعة. بيد أن الخبراء يشيرون إلى خطر آخر: إذا حملت الغواصات الأمريكية أسلحة نووية على متنها، فستصبح على الفور أهدافاً أساسية لضربات انتقامية محتملة.
إلى جانب النرويج، عبّرت وسائل الإعلام السويدية عن رفضٍ مماثل للمحاولات الأمريكية توريط الدول المشاركة في المغامرات العسكرية الأمريكية. وتتساءل هذه الوسائل: لماذا تجري مناورات «حلف شمال الأطلسي 2021» على مقربة كبيرة من حدود روسيا، ألا ينبغي أن يزعج هذا أحداً؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1020