افتتاحية قاسيون 1020: المصالحة الوطنية... كيف؟

افتتاحية قاسيون 1020: المصالحة الوطنية... كيف؟

يوحي ضيق الأفق للبعض بأنّ مجرد إنهاء الوجود الأجنبي في البلاد، وتوحيد جغرافيتها تحت سلطة واحدة، سيكفيان لضمان استمرار الوجود الجغرافي السياسي لسورية، ولضمان وحدتها...

مما لا شك فيه، أنّ توحيد الجغرافيا وتخليصها من الوجود الأجنبي هو جزء لا بد منه لاستعادة البلاد ووحدتها، وتحقيق هذا غير ممكن دون حل سياسي شامل على أساس التنفيذ الكامل للقرار 2254، وواهم من لا يزال يحلم بغير ذلك.

ما ينبغي إيلاؤه اهتماماً كبيراً، ليس فقط النضال المطلوب ضد تقسيم الأمر الواقع القائم حالياً ضمن الإحداثيات الجغرافية، ومحاولات الغرب والصهاينة تكريسه، والمساعدات التي يتلقاها مخطط التقسيم هذا من المتشددين من الأطراف السورية، بل وأيضاً ينبغي العمل ضد الإحداثي البشري لعملية التقسيم، والذي يقسم السوريين ملايين مقابل ملايين، بين «جيدين» و«سيئين»، «وطنيين» و«خونة».

فإذا كانت عودة البلاد موحدة بالمعنى السياسي وخالية من الوجود الأجنبي ليست بمتناول اليد بشكل فوري، فإنّ العمل على إبقاء ارتباط السوريين ببعضهم البعض، وببلدهم، هو مكون أساسي لا غنى عنه في الدفاع عن وحدة سورية واستمرارها.

إنّ الأزمات الكارثية العميقة التي تقسم عمودياً شعباً من الشعوب بين ملايين على هذه الضفة وملايين على الضفة المقابلة، لا يمكنها أن تنتهي بانتصار إحدى الضفتين. وأي واهم يرى انتصاراً من هذا النوع فإنما يظهر بشكل واضح أنه عملياً مع مخطط التقسيم أياً تكن نواياه.

أزمات وطنية بعمق الأزمة التي مرت بها سورية، تتطلب بعد نظر وحكمة وسعة صدر ومسؤولية وطنية عالية من الواضح أنها غير متوفرة نهائياً لدى المتشددين من الأطراف السورية بمصالحهم الأنانية الضيقة، ومطامحهم المحدودة وصغيرة الشأن.

إنّ الحفاظ على وحدة سورية تتطلب العمل بشكل متوازٍ لاستعادة وحدة أرضها، ولاستعادة وحدة شعبها.

واستعادة وحدة الشعب السوري تمر بالضرورة عبر القطع نهائياً مع الثنائيات الكاذبة التي قسّمت السوريين طوال السنوات الماضية، وعبر تظهير الثنائية الحقيقية التي يحاول المتشددون بشكل مستمر إخفاءها: المنهوبون والناهبون... المنهوبون هم الأغلبية الساحقة والمسحوقة من الشعب السوري، وهم موجودون على امتداد الخارطة السورية وفي دول اللجوء، وهؤلاء مقسمون شكلياً بين معارض وموالٍ، وعلى قوميات وطوائف وإلخ. والناهبون هم القلة القليلة الناهبة والمتنفذة في النظام والمعارضة على حد سواء، وهم أنفسهم نواة من نسميهم بالمتشددين من الطرفين. هؤلاء لا مشكلة لديهم في توزيع ثروة معادٍ لمصلحة الأغلبية العظمى من السوريين (نستطيع تبين ذلك من سلوكهم في مناطق سيطرتهم ومن برامجهم المعلنة)، المشكلة بالنسبة لهم هي من يحوز النهب، وصراعهم ينحصر فيمن هو «صاحب الحق» في نهب الشعب السوري...

أمام استهتار المتشددين بوحدة البلاد وانفصالهم عن الواقع، فإنّ على عاتق الوطنيين من كل الأطراف السورية أن يكثفوا عملهم المشترك ويرفعوا تنظيمهم إلى الحدود القصوى، للعمل ضد محاولات تعميق العداوات والانقسامات بين المنهوبين من السوريين. على الوطنيين من كل الأطراف أن يدفعوا معاً باتجاه تنفيذ 2254، باتجاه حل سياسي تسود على أساسه الأغلبية المنهوبة المضطهدة والمظلومة من الشعب السوري، وتتصالح فيما بينها وتضمد جراحها، وتتجاوز أشياء كثيرة مما حصل في الماضي، لكي تتمكن من الاتحاد بوجه ناهبيها، الذين كانوا هم الأساس في إغراقها بالدماء والعذابات... لأنّ هذه الأغلبية هي وحدها ضمانة وحدة سورية، وهي صاحبة المصلحة الأولى بسورية موحدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1020
آخر تعديل على الأحد, 30 أيار 2021 22:03