عن أسطورة الدعم الغربي للانتقال الديمقراطي في سورية!؟
عماد طحان عماد طحان

عن أسطورة الدعم الغربي للانتقال الديمقراطي في سورية!؟

على مدى السنوات العشر الماضية، كانت هناك عدة أفكار رئيسية مكررة يلوكها الإعلام الغربي والساسة الغربيون حول الوضع في سورية. وهذه الأفكار نفسها، كررتها وتكررها شريحة محددة من المعارضة السورية، (وخاصة منها التي انتقلت بقدرة قادر من التزامها صفوف النظام طوال حياتها، وتنعمها بميزاته وفساده، إلى صفوف نمط محدد من المعارضة تصب كل أفعاله وكل شتائمه وصرخاته الهستيرية، وتخبيصاته السياسية، و«بالصدفة المحضة»، في مصلحة النظام).

خلال مباحثات جنيف، استعان الائتلاف «المعارض» بشركة «علاقات عامة» بريطانية، كانت وظيفتها المعلنة هي تسهيل وصوله إلى وسائل الإعلام المختلفة، الدولية والعربية.
وبين الأعمال التي كانت تقوم بها هذه الشركة بشكل غير مباشر، وعبر بعض الأشخاص «الإعلاميين»، وضع ما يسمى «Key points» أو نقاط مفتاحية تستخدم للخطاب الإعلامي، ويجري تعميمها والتحفيز على الانضباط بها من قبل «المتحدثين».
هذه النقاط المفتاحية، عملت يوماً وراء الآخر، ومقابلة وراء الأخرى، وبحثاً وراء الآخر، وعبر سنوات مديدة، على بناء جملة من الأساطير والمسلّمات التي بات الالتزام بها معياراً من معايير العمل المعارض... وكل من يخرج عن هذه المسلمات يجري تخوينه مباشرة، وبالأحرى تكفيره، وذلك ضمن حالة من التشبيح الفكري الذي يتم عبر عدد غير قليل من الأبواق التي تقبض رواتبها من الغرب نفسه، عبر مجالس محلية تارة ومنظمات إغاثية تارة أخرى، ومجموعات إعلامية تارة ثالثة، ومنظمات «مجتمع مدني» في كثير من الأحيان.
من المستحيل ربما أن نحصر كل هذه «المسلمات» في مكانٍ واحد، فربما تحتاج كتباً لحصرها، ولكن نعتقد أنه من المفيد الوقوف عند واحدة منها هي الأكثر تكراراً...

الغرب والولايات المتحدة، يدعمون الانتقال إلى الديمقراطية

يُبنى جزءٌ ضخمٌ من الدعاية الغربية في سورية، على الكذبة القائلة بأنّ الغرب يدعم الانتقال نحو الديمقراطية، بمقابل رفض «الدول الاستبدادية» لذلك، والمقصود بالدرجة الأولى: روسيا والصين.
والحقيقة، أنّ الغرب يدعم حقاً «الديمقراطية»، ولكن تلك التي تلبي معايير معينة يفرضها هو. والمعيار الواضح الذي ينطبق على كل الحالات، هو: أنّ الغرب يدعم نتائج الديمقراطية حين تأتي بعملائه إلى السلطة، ويقف ضدها حين تمثل مخرجاً لبلد معادٍ من أزمات يعيشها... كما هو الحال تماماً في سورية، حيث تسعى الولايات المتحدة بكل طاقتها إلى منع الانتقال الديمقراطي في سورية، لأنه ببساطة شديدة، لن يسمح بتغيير جذري في كل السلطات المسيطرة الآن في سورية فحسب، بل وأكثر من ذلك، فإنّ انتقالاً ديمقراطياً حقيقياً في سورية، سيوحدها من جديد، وسيجفف مستنقع جيفري والاستقرار الآسن المتعفن الذي يراه حالة مثالية لسورية بوصفها بلداً وشعباً معادياً للمصلحة الأمريكية، بلداً من غير المقبول أن يبقى موحداً وذا دور في الخريطة الإقليمية من الأساس، ولذا فإنّ الولايات المتحدة أياً تكن الأكاذيب التي تقولها، فإنها بالممارسة العملية تدعم استمرار وتعفن الأمر الواقع، بكل تفاصيله، وبكل شخوصه...
الولايات المتحدة، «الداعمة للديمقراطية»، لم تمتنع عن دعم انقلابات عسكرية مكشوفة وواضحة، كما فعلت سابقاً في فنزويلا، وفي أكثر من دولة من دول أمريكا اللاتينية، بل وفي سورية نفسها خلال مرحلة انقلابات ما بعد الاستقلال، وفي إيران وبالتعاون مع البريطانيين ضد حكومة مصدق، وكذلك اتجاه دول عديدة في منطقتنا بينها العراق نفسه أيام صدام حسين وحربه مع إيران.

مصالح إستراتيجية

المصلحة الإستراتيجية التي يعبّر عنها الساسة الأمريكيون بالممارسة الفعلية، سواء عبر ما أسموه صفقة القرن، وعبر اتفاقات التطبيع، وكذا دعم الكيان الصهيوني بأكثر الأشكال وقاحة ومباشرة وبشكل دائم، تتناقض تناقضاً عميقاً مع وضع سورية على سكة التعافي.
الخصوصية السورية تجعلها غير قابلة بأية حال من الأحوال للانصهار ضمن مشاريع التطبيع والذل الإقليمي، وهذا عابر للنظام وللمعارضة، وأكبر منهما. والأمريكي والصهيوني هما أفضل من يفهم هذه الحقيقة، ولذا يريدان إنهاء أي وجود جغرافي سياسي لهذا البلد، وبما أنّ التوازن الدولي القائم لن يسمح، ولن يقبل بتقسيم سورية بشكل «شرعي»، أي: معترف به دولياً، فإنّ الحل من وجهة النظر الصهيونية، هو إطالة عمر حالة تقسيم الأمر الواقع، وتكريسها بالتوازي مع إضعاف وتهشيم وتحطيم السوريين إلى أقصى الحدود الممكنة، وبأيدي الفاسدين الكبار وتجار الحرب من الأطراف السورية بالدرجة الأولى، والذين يرون العالم من خرم إبرة مصالحهم التافهة والأنانية.
بهذه الطريقة، يظن الأمريكان أنه بإمكانهم إعادة موضعة قواهم حول العالم بشكل يسمح بالتجهز للمواجهة الكبرى مع الصين، والتي تتطلب بكل تأكيد حصر الانتشار الأمريكي المستنزف حول العالم الذي يشغل أكثر من 800 قاعدة عسكرية.

الأوارسي والحزام والطريق

ضمن هذه الرؤية العامة، فإنّ مصلحة الولايات المتحدة وكذا الصهيوني، تتقاطع في ضرورة منع تمرير المشروعين الأوراسي والحزام والطريق. وهذان المشروعان يمران عبر سورية، ولن يكتملا دون استقرار سورية سياسياً وأمنياً واقتصادياً... واستقرار من هذا النوع لا يمكن أن يتم دون حل شامل، دون تغيير جذري وعميق على أساس القرار 2254، دون فتح الباب لكنس عملاء الغرب التاريخيين الذين عششوا في مختلف مفاصل جهاز الدولة بما فيها السياسية، عبر عقود طويلة...
بالمقابل، فإنّ بقاء البنى الفاسدة التي ارتبطت بالغرب بشكل تدريجي خلال العقود الطويلة الماضية، هو أفضل ضمانة بالنسبة للغرب نفسه، لا في إبقاء الأزمات المشتعلة فحسب، بل وأيضاً في تعميقها، وفي تعميق الحالة غير المنتجة والتابعة التي تعيشها بلداننا بالمعنى الاقتصادي.
التناقض الذي تعيشه المنطقة بأسرها، بل والعالم، ليس مجرد تناقض بين قوى دولية تسعى إلى السيطرة، بل بين نماذج مختلفة. قدرة الصين وروسيا من تجاوز العالم الغربي تمر حصراً عبر كسر منظومة التبادل اللامتكافئ التي أرساها الغرب منذ أواسط ستينات القرن الماضي.
وتمر أيضأ، عبر كسر الهيمنة الغربية على التجارة البحرية، ومنعها للتجارة البرية. فالتبادل التجاري البري بين الدول المتجاورة، وخاصة حين الحديث عن دول عميقة الجذور الحضارية من تلك التي تشغل معظم مساحات آسيا وإفريقيا، ستؤدي إلى تجاوز كامل للغرب بالمعنى الاقتصادي والتكنولوجي... فالنموذج الغربي، مما قبل سايكس بيكو، كان قائماً على ضرب أية علاقات بينية بين الدول في آسيا وإفريقيا، بمقابل وجود علاقات تبعية لهذه الدول جميعها مع المركز الغربي، وبالاستناد للنشاط التجاري البحري بالدرجة الأولى...
أمام محاولة فهم الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية للصراع الدولي القائم، فإنّ دعابة «النشر الأمريكي للديمقراطية» تصبح دعابة ساذجة وسمجة إلى أبعد الحدود...

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1019
آخر تعديل على الخميس, 27 أيار 2021 16:46