افتتاحية قاسيون 1008: ماذا بعد أستانا وسوتشي؟
مضت حتى الآن أربع سنواتٍ على انطلاق مسار أستانا، وثلاثٌ على انطلاق سوتشي، وقد لعب المساران دوراً مهماً يمكن تكثيفه في الاتجاهات الأساسية التالية:
أولاً: سمح المساران، وبعد الاستعصاء لسنوات متتالية في جنيف، بمنع دفن العملية السياسية كما كان يسعى الغرب، وكما كانت ترغب أطراف سورية متشددة.
ثانياً: سمح مسار أستانا بتطويق مساحات المعارك والعنف في البلاد التي كانت تقتل عشرات وأحياناً مئات السوريين يومياً على مدى سنوات متتالية، وصولاً إلى انتهاء الأعمال العسكرية الواسعة النطاق قبل عام من الآن تقريباً.
ثالثاً: عالج مسار سوتشي بشكل جزئي أحد جوانب العملية السياسية الشاملة، أي الجانب المتعلق بالدستور. ومهّد لتشكيل اللجنة الدستورية التي لم تنتج شيئاً حتى اللحظة، ولن تتمكن من إنجاز شيء إذا بقيت تعمل ضمن الإحداثيات نفسها.
وبكلمة، فإنّ مساري أستانا وسوتشي لعبا دورهما التاريخي في الحفاظ على العملية السياسية حية، ومنع قتلها، وتمهيد الأرضية، وخاصة الميدانية، للدخول في الحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254... وهذا الدور قد وصل إلى سقفه سواء بما يتعلق بأستانا أو بما يتعلق بسوتشي.
ومعنى وصول هذا الدور إلى سقفه التاريخي، أي إنه حقق أقصى ما يمكنه تحقيقه ضمن الإحداثيات الحالية لعمله، ولم يعد يمكنه أن يحقق شيئاً إضافياً دون نقلات نوعية كبرى، جوهرها هو الانتقال نحو التنفيذ الشامل للحل السياسي.
عدم تحقيق اختراقٍ نوعي باتجاه الحل الشامل، لا يعني استمرار حالة «الجمود» فحسب، بل ويفتح الباب على قلب النتائج الإيجابية التي جرى تحقيقها عبر أستانا وسوتشي إلى نقيضها، ويضع كل ما تم إنجازه في دائرة الخطر الأكيد، ويفتح الباب مجدداً لتحقيق ما أراده الغرب في سورية منذ اللحظة الأولى.
يتضح ذلك من الانحدار المتسارع لوضع السوريين على كل الصعد، بالتكافل والتعاون بين السياسات الليبرالية الناهبة وتجار الحرب والفاسدين الكبار والعقوبات الغربية، ويتضح من استمرار حالة تقسيم الأمر الواقع التي طالت كثيراً، وبدأت تكرّس انفصالاً ذهنياً وثقافياً واقتصادياً بين أبناء البلد الواحد.
كلّ ذلك، يضع على عاتق الوطنيين السوريين من كل الأطراف، مهمة الوصول فيما بينهم، وبأسرع وقت ممكن، إلى اتفاقات تكون الأساس للمباشرة بتنفيذ القرار 2254، وبغض النظر عن إرادة ورغبات المتشددين في كل الأطراف، وبغض النظر عن نضج التفاهمات الدولية حول شكل تنفيذ 2254 التي يصعب التنبؤ بلحظة حصولها في وضع لا يسمح للسوريين بالانتظار؛ لأنّ استمرار الأزمة يمس أساس وجودهم.
الاتفاقات المطلوبة، ينبغي أن تجري على أساس أنْ يقدم الجميع تنازلات لا لمصلحة بعضهم بعضاً، بل تنازلات تصب جميعها في مصلحة الشعب السوري. وإنْ تمكنت القوى الوطنية السورية من الوصول إلى هكذا اتفاقات، وفي ظل الوضع الدولي الراهن، فإنه يمكنها أن تفرض اتفاقاتها على الجميع...
كمحصلة، فإنّ أستانا وسوتشي لعبتا دور إنقاذ جنيف ومن خلفه 2254، ولكن لم يعد ممكناً إنقاذ القرار وإنقاذ سورية نفسها دون خطوات كبرى إلى الأمام، تقوم بها الأطراف الوطنية السورية بالدرجة الأولى، وأطراف أستانا بالدرجة الثانية...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1008