افتتاحية قاسيون 1006: حول الضمانات والتنازلات!
يمتلئ الفضاء الإعلامي هذه الأيام بشتى أنواع الدجل السياسي وبمختلف ضروب «اقتراحات الحلول» التي تشترك في أنها تغريد من خارج القرار 2254... من ذلك مثلاً: الأحاديث حول «مجلس عسكري»، بل وأكثر من ذلك، هنالك من يتوهم أو يُوهم الآخرين بأنّ هنالك إمكانية ما في سورية للتطبيع مع الصهيوني، والقائلون بهذا الوهم لا يعلمون أنّ من يقدم على هكذا خطوة في سورية، إنما يقدم على انتحار علني ومجاني.
ما يلفت النظر ويستدعي التدقيق، ليست الحلول الوهمية التي يجري إلقاؤها في الفضاء الإعلامي فحسب؛ فهذه مسألة باتت معتادة ضمن مسيرة الأزمة السورية، بل كثافة تلك «الحلول»، وحجم الإصرار الهستيري على تكرارها، والتأكيد عليها بكل السبل الممكنة، وعبر وسائل إعلام تقف في مواقع متناقضة شكلياً، وشكلياً فقط، لأنّ درجة تطابق مواقفها العميقة باتت أكثر من واضحة.
المؤشرات المختلفة، بما فيها حالات الهستيريا التي نصفها، تتقاطع في مسألة واحدة، هي أنّ البدء بالتطبيق الفعلي للقرار 2254 بات حاجة موضوعية تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى، وبغض النظر عن إرادة المعطلين من الأطراف المختلفة. وإذا كان من بين المؤشرات التي تدل على ذلك، هو التسارع الكبير الجاري في ظهور موازين القوى الجديدة عالمياً في ساحات مختلفة؛ فربما أهم من ذلك أنّ الوضع الاقتصادي المعيشي للسوريين في مختلف المناطق السورية، بات قريباً جداً من إنجاز ما لم تتمكن داعش وجبهة النصرة من إنجازه.
الحصار الغربي والعقوبات الغربية المتوحشة، بالتضافر والتعاون مع الفاسدين الكبار وتجار الحروب الذين يتحكمون بدفة الأمور، يقودون سورية والشعب السوري نحو انهيار شامل...
وربما يركن البعض إلى تفسير الأمور ببعدها الاقتصادي؛ أي بالقول: إنّ حجم النهب وحجم التردي الهائل في وضع السوريين هو مجرد نتاج بسيط للعقوبات الغربية وللفساد الداخلي. ولكنّ حقيقة الأمور تبدو أعقد من ذلك؛ إذ تمارس قوى الفساد الكبير المسيطرة على المنظومة السائدة في البلاد، وبشكل مقصود وواعٍ، سياسة (وهن عزيمة الأمة) الهادفة لإيصال السوريين إلى وضع شديد الكارثية والسوء، بحيث يصبحون مستعدين للقبول بأي حلٍ مهما يكن.
ضمن هذه الإحداثيات جميعها، تبرز مسألتان قديمتان- جديدتان:
أولاً، التنازلات: حين ترى الأطراف المتشددة أنها محكومة بالذهاب نحو الحل، فإنها تسعى إلى تقليل التنازلات المقدمة من كل منها نحو الأخرى، وهذا نفسه يؤدي إلى مزيد من التأخير في الوصول إلى الحل... لأنّ القاعدة الثابتة في مسألة التنازلات ينبغي أن تكون: تنازلات من كل الأطراف السياسية لصالح طرف واحد هو الشعب السوري.
ثانياً، الضمانات: كذلك الأمر بما يتعلق بمسألة الضمانات للجهات والأشخاص، التي يجري البحث عنها تمهيداً للحل. وهنا أيضاً ينبغي أن يعلم الجميع أنّ الضمانة الوحيدة لسورية هي الشعب السوري نفسه وهو نفسه، بملايينه المعذبة والمنهكة، من يحتاج إلى ضمانٍ لمستقبله ولاستمراره واستمرار وجود بلاده، ولا يجوز أن ينتظر بأي شكل من الأشكال، تأمين ضمانات لأي كان، ومهما كان... لأنّ هكذا انتظار هو خارج أي عرف أخلاقي أو إنساني أو سياسي...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1006