تناقض «ريف- مدينة» هو أيضاً عامل تقسيم!
يحلو للبعض اجتزاء مسألة الهوية الوطنية ومسألة وحدة البلاد باختيار بعض جوانبها وتسليط كل الضوء عليها، بمقابل تهميش الجوانب الأخرى.
بين الجوانب العديدة التي تلعب دوراً شديد الأهمية في حفظ وحدة البلاد، أو على العكس من ذلك تدميرها، هو الجانب الاقتصادي- الاجتماعي الذي يشمل بدوره عدداً كبيراً من الجوانب. بين هذه الجوانب، ذلك المتعلق بطبيعة العلاقة بين الريف والمدينة...
ضمن هذا الجانب يمكننا أن نذكر بعض النقاط الأساسية ضمن الخصوصية السورية، والتي حددت شكل هذه العلاقة:
أولاً: طريقة توزيع الموازنة الاستثمارية على أنحاء البلاد، أهملت بشكل دائم أطراف البلاد، وحرمتها من التنمية الفعلية. أحد أمثلة التعبيرات الغريبة عن هذه المسألة، هي ما نراه منذ سنوات طويلة من «معاملة تفضيلية» ضمن مفاضلات الدخول إلى الجامعة، لأبناء ما تسمى «المحافظات النامية».. والمقصود أنّ هؤلاء أقل مستوى من عموم البلاد لذلك لا بأس بإدخالهم فروعاً أعلى من المعدلات التي حصلوها في الامتحانات! بما يتجاوز الاعتراف بأنّ هذه المحافظات أقل نمواً من بقية البلاد، إلى قبول ذلك بوصفه أمراً واقعاً، والتسليم به على أنه سيبقى كذلك...
ثانياً: تخفيض الدعم للزراعة، بالتوازي مع رفعه التدريجي والمتسارع عن المحروقات خلال العقدين الماضيين، وعموماً اللبرلة الاقتصادية التي تنقلت بين «السياحة قاطرة النمو» و«التجارة قاطرة النمو» وإلخ، مهملة الزراعة والصناعة، ومسببة تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، وتراجعاً لإسهامه في الناتج المحلي. وهذا كله ترافق بطبيعة الحال مع تعزيز هجرة الريف باتجاه المدينة، أو إلى خارج البلاد.
المحصلة الإجمالية لهذه السياسات وغيرها، حولت سورية ككل إلى ريف كبير فيه نصف السكان تقريباً، ومدينة مكتظة فيها النصف الثاني. مختلف المحافظات هي ريف، ودمشق وحلب هما المدينة... وبكلام آخر، فقد تحول التناقض بين الريف والمدينة من موضوع محلي ضمن كل محافظة على حدة، إلى موضوع وطني شامل، وبات التناقض بين الريف والمدينة بهذا المعنى، أحد التناقضات التي ترسو في جذر الصراع الجاري بشكل أو بآخر... ودون حل هذا التناقض لمصلحة المنهوبين في الريف والمنهوبين في المدينة، وضد ناهبيهم الذين يتمركزون عملياً في حلقات الوصل بين مختلف أنماط الإنتاج والاقتصاد على العموم، ستكون وحدة سورية مفخخة دائماً...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 995