افتتاحية قاسيون 994: عوامل التقسيم وعوامل الوحدة
تتوزع الجغرافيا السورية منذ عدة سنوات بين ثلاث مناطق نفوذ أساسية. ويبدو ذلك بوصفه «أمراً واقعاً»!
ما ينبغي تثبيته قبل أي شيء آخر، هو أنّ مشروع تقسيم سورية هو في الأصل مشروع صهيوني- أمريكي قديم... والتصريحات الوقحة لجيفري بأنّ «الجمود/ الطريق المسدود هو الاستقرار»، ليست إلا تعبيراً مباشراً عن ذلك.
ولكن العوامل الخارجية الدافعة نحو التقسيم ليست الوحيدة، وأهم من ذلك أنها ليست الحاسمة؛ فالخارج يستند دائماً إلى الوضع الداخلي حتى يمرر خططه. ولذا فإنّ الأشد أهمية هو الوقوف عند عوامل التقسيم الداخلية التي تصنعها وتغذيها أطراف سورية متشددة.
عوامل التقسيم
السياسات الليبرالية المتوحشة المستمرة حتى اللحظة، والتي بدأت بشكل واسع منذ 2005، وما قامت به من التهام للمكتسبات الاجتماعية والاقتصادية، مسببة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل كارثي، وتعميق الفجوة بشكل هائل بين عامة السوريين وبين النخبة الناهبة. وهذا كله أضر إضراراً جسيماً بالهوية الوطنية السورية.
الانخفاض الكبير في مستوى الحريات السياسية، والذي حبس وراكم آلام الناس في صدورهم، وأدى إلى انفجارها بأشكال عفوية وغير منظمة، وسهّل بالتالي اختراقها ومحاولات التلاعب بها، وصولاً إلى التسليح وإلى تفعيل ثنائيات زائفة من النمط الطائفي والقومي وإلخ...
ترافق مستوى الحريات المنخفض مع شكل اقتصادي وسياسي في إدارة الدولة أهمل الأطراف عموماً، والأرياف بشكل خاص، وأهمل التنمية، وكرّس فالقاً بين المدينتين الكبيرتين من جهة وبين بقية المناطق السورية من جهة أخرى.
وبعد 2011، فإنّ منطق الحسم والإسقاط الذي تبناه الطرفان المتشددان، وما رافقه من عنف هائل، أدى إلى تقطيع أوصال البلاد. وهذا المنطق لا يزال مستمراً بأشكال متعددة في السلوك العملي وفي التصريحات؛ حيث الهروب من أي حوار جدي، بل و«التكفير السياسي» بشتى أنواع التهم، وعلى رأسها الانفصالية والإرهاب.
المحافظة على تقسيم الأمر الواقع هي غاية مشتركة بين الأمريكي وبين المتشددين السوريين؛ فاستمرار هذا التقسيم يعني استمرار الأزمة، ويعني تالياً: استمرار الناهبين والفاسدين الكبار وأمراء الحرب في مواقعهم، وهذا هو أقصى غاياتهم. ليس غريباً بالتالي، أن يعبّر هؤلاء المتشددون عن رغبتهم، بين الحين والآخر، وبصيغ معلنة أو مواربة، أن يكونوا مع الأمريكي في خندق واحد.
عوامل الوحدة
في المقابل، فإنّ عوامل وحدة السوريين ووحدة سورية، هي عوامل عديدة تضيق بها المساحة. ورغم أن لها جوانبها الأساسية، سواء ما يتعلق بالتاريخ، أو بالثقافة، أو بالدماء التي سكبت ابتداء من الشهيد يوسف العظمة وحتى الآن، إلّا أنّ كلمة السر الأساسية فيها هي: أنّ أكثر من 90% من السوريين توحدهم مصلحة واحدة في التخلص من الناهبين والفاسدين الكبار وتجار الحرب، من كل الأطراف.
هذه المصلحة بالتغيير الجذري الشامل لا يمكن أن تتحقق بغير تكريس سلطة الشعب في المركز، وفي المناطق على حدٍ سواء، وفي رسمة واحدة للبلاد بأكملها تضمن صيغة متطورة للعلاقة بين المركزية واللامركزية، وتنهي أي كلام متطرفٍ عن الفيدرالية من جهة، وعن مركزيةٍ مطلقة لقوى الفساد من جهة أخرى.
المدخل الأساس لاستعادة وحدة سورية، بات محصوراً في عملية التغيير الجذري الشامل، وهذا الأخير مدخله هو التنفيذ الكامل للقرار 2254.
لتحميل العدد 994 بصيغة PDF
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 994