مذكرتا التفاهم... أبعد من «إعلان نوايا»

مذكرتا التفاهم... أبعد من «إعلان نوايا»

من المعلوم في العرف السياسي أنّ «مذكرة التفاهم» بين قوتين هي أولى درجات التنسيق والتعاون بينهما، وهي بهذا المعنى أقرب ما تكون إلى «إعلان نوايا». ينطبق هذا الأمر إلى حد ما على مذكرتي التفاهم اللتين وقعهما حزب الإرادة الشعبية خلال الشهور الثلاثة الماضية مع كل من مجلس سوريا الديمقراطية (يوم 31 آب الماضي) والتيار العربي المستقل (في 11 من الجاري).

نقول: إنه ينطبق إلى حد ما، وليس تماماً، لأنّ الخصوصية السورية تلعب دورها هنا، وكذلك مضمون المذكرتين المشار إليهما.

أما عن الخصوصية السورية، فإنّ ما يعطي زخماً مهماً لهاتين المذكرتين، هو أنهما بابٌ لتجميع قوى سورية مختلفة فيما بينها بالعديد من التفاصيل، ولكنها متفقة على أساسيات وطنية جامعة تكسر الصورة النمطية عن الاصطفافات الدولية والإقليمية التي يسعى البعض إلى فرضها على القوى السورية، بل وتصنيفها وفقاً لها.

بهذا المعنى، فإنّ هاتين المذكرتين تشكلان بداية ملموسة لاحتواء التوازنات الدولية وتصفير تأثيرها على القرار السوري المستقل، الأمر الذي لا يمكن دونه امتلاك السوريين بشكل فعلي لحقهم في تقرير مصيرهم.

أبعد من ذلك، ولأنّ ساحة العمل الأساسية لكل من مجلس سوريا الديمقراطية والتيار العربي المستقل هي الشمال الشرقي السوري، فإنّ المذكرتين تشكلان كسراً للمحاولات الغربية لعزل الشمال الشرقي وقواه السياسية عن سورية، وتفتح بذلك الباب لإرساء الأسس الضرورية للحفاظ على سورية موحدة، بعيداً عن المتاجرة بهذا الشعار، الذي يحلو للمتشددين التشدق به بشكل مستمر، بينما يفعلون كل ما هو معاكس له؛ نقصد بالضبط :أنّ التلويح بالصفات الانفصالية والإرهابية بالتوازي مع الخيارات العسكرية، وفوق ذلك إغلاق أبواب الحوار، أو التشدد فيه بشكل مقصود بحيث لا يؤدي إلى نتيجة، كل هذه الممارسات تتنافى في الجوهر مع السعي إلى الحفاظ على وحدة البلاد... والمذكرتان في هذا السياق، هما خروج عن النمط المتشدد السائد، والقائل بالحسم والإسقاط، وليس مستغرباً إذا ما تعرضتا له، وخاصة الأولى بينهما، من هجوم من مختلف الأطراف «المتناقضة».

في المضمون

المذكرتان أيضاً، ليستا مجرد «إعلان نوايا»، لأنّ مضمونهما يتعدى ذلك إلى ما يشبه بداءة برنامج وطني عام مشترك؛ فالحديث عن وحدة البلاد واستقلالها، وعن شكل الدولة المستقبلي بخطوطه العريضة، إضافة طبعاً إلى وسيلة الوصول إليه (التطبيق الكامل للقرار 2254)، يعني: أنّ بين هذه القوى من المشتركات ما هو أبعد من مجرد «إعلان النوايا».
من ذلك مثلاً: ما تورده المذكرتان بصيغة موحدة تقريباً عن العلاقة بين المركزية واللامركزية في سورية المستقبل، وأيضاً فيما يتعلق بآليات التمثيل المطلوبة ضمن أطر العملية السياسية، وكذلك المقترحات الدستورية الأولية التي تتشارك بها هذه القوى الثلاث.

القرار المستقل

عود على بدء، ربما النقطة الأهم في هاتين المذكرتين، هي أنهما كانتا نتيجة قرار سوري مستقل، وليستا نتيجة فرض أو «حث» أو «وساطة» من أطراف خارجية، كما هو شأن عدد كبير من «التوافقات» و«التشكيلات» الموجودة على الساحة السورية...

 لتحميل العدد 993 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
993
آخر تعديل على الإثنين, 23 تشرين2/نوفمبر 2020 15:44