افتتاحية قاسيون 991: ماذا بعد  «العرس الديمقراطي» الأمريكي؟

افتتاحية قاسيون 991: ماذا بعد «العرس الديمقراطي» الأمريكي؟

انتهى «العرس الديمقراطي» الأمريكي بالطريقة نفسها التي كان ينتهي فيها كل مرة منذ 167 عاماً، ومنذ عام 1853 بالضبط؛ حيث النظام الانتخابي مفصّلٌ بعناية على قياس الفوز الدائم لـ«الحزب القائد» نفسه ذي الرأسين، الديمقراطي والجمهوري (وكانا فيما مضى: حزب ملاك العبيد السابقين وحزب البرجوازية) نظام انتخابي يصدق فيه القول الشهير: «ليس المهم من يصوّت، المهم من يعد الأصوات»، وربما نضيف، والمهم أيضاً كيف يتم عدّ الأصوات.

الحزب القائد ذو الرأسين، كان ولا يزال ممثل النخبة المالية الحاكمة بتناقضاتها وصراعاتها الداخلية العديدة، ولكن المتفقة دائماً في عدائها لمصالح الشعب الأمريكي، ولمصالح شعوب العالم عامة، مما بعد الحرب العالمية الثانية بشكل واضح.

ربما الجديد في الفصل الأخير من المسرحية، أنّ تزامنها مع حالة الضعف والتراجع المزمن للدور العالمي للولايات المتحدة بمناحيه المختلفة، وخاصة عبر أداته الأكثر فاعلية، الدولار... قد سحب هذه المرة الأضواء الساطعة والمبهرة من خشبة المسرح، ليظهر «العرس الديمقراطي» تكراراً لـ «الأعراس الديمقراطية» التي تعرفها شعوب العالم الثالث جيداً.

مع ذلك، فإنّ هذه الانتخابات وما صاحبها من توتر داخلي غير مسبوق، ولأنّ الانتخابات الأمريكية هي دوماً شأن النخبة الداخلي، فإنها عكست عمق وحدّة الانقسام ضمن هذه النخبة نفسها، والذي لن ينتهي بخسارة ترامب وفوز بايدن، بل سيزداد عمقاً وقابلية للانفجار... وليس ذلك بالأمر المستغرب؛ فقوانين التاريخ علّمتنا أن القوى المتراجعة تنقسم على نفسها وتتراشق مسؤولية التراجع...

وإذاً، فعلى الصعيد الداخلي الأمريكي لا يمكن أن يتوقع المرء سوى مزيد من الأزمات العميقة، بما في ذلك احتمالات مواجهات حادة، بل وليس مستبعداً إطلاقاً أن ترتفع مجدداً دعوات الانفصال من الولايات الغنية أملاً في الهروب من التداعي العام.

على صعيد السياسات الخارجية، لن يكون هنالك أي فرق جدي بين ترامب وبايدن... ستظهر فروقات شكلية عديدة في طريقة التعامل مع الملفات المختلفة الدولية والإقليمية، لكن الجوهر سيبقى هو نفسه: واشنطن محكومة بالتراجع والانكفاء، الفرق سينحصر في سرعة ذلك الانكفاء... وإذا كانت المهرجانات الخطابية قد خطفت أبصار الإعلام، فإنّ تكرار الفيدرالي لتثبيت سعر الفائدة عند الصفر وفوقه قليلاً، لهو الحدث الأكبر ضخامة بين ما يجري على الساحة الأمريكية، وهو المعبر الحقيقي عن انسداد الأفق أمام الإمبريالية الأمريكية، ودخولها مع النظام العالمي المستند إلى الدولار، مرحلة أفول لا عودة منه.

ما يتعلق بسورية، فإنّ رحيل رجل المستنقعات جيمس جيفري ومساعده مكسر الأقلام ريبورن، لن يغير هو الآخر من الاتجاه العام نفسه الذي أشرنا إليه آنفاً... اتجاه التراجع والانكفاء الأمريكي على المستوى العالمي، وفي منطقتنا أسرع من أي مكان آخر.

الظروف اللازمة لإنهاء مأساة الشعب السوري، ولتطبيق حقه في تقرير مصيره بنفسه، أصبحت أكثر من ناضجة. وبإدارة أمريكية جديدة أو قديمة، فالطريق هو نفسه: التطبيق الكامل للقرار 2254 وصولاً إلى التغيير الجذري الشامل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
991
آخر تعديل على الأحد, 08 تشرين2/نوفمبر 2020 21:15