لم يظهر بعد سوى رأس جبل التقاطعات بين المتشددين...

على المستوى الدولي

لم يدخر الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، أية فرصة لفرض سياسات وتدابير لتخريب الجهود الرامية إلى جعل السوريين يجلسون معاً. كان هذا هو الحال على مستوى المفاوضات السورية- السورية، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254، ولكن أيضاً على المستوى المحلي. ومن الأمثلة الواضحة والحديثة على ذلك: الحوار الكردي الكردي، الذي حاولت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى رعايته، والذي يعني حسب فهمهم تحديد المعايير التي سيتم من خلالها التوصل إلى أي اتفاق. في الواقع، وكما تكشف مؤشرات عديدة، فإنّ الولايات المتحدة قد فرضت عملياً كشرط للحوار عدم اعتماد أي اتفاق بين الجانبين ما لم توافق هي عليه أيضاً.
لمزيد من تقويض أية جهود في الشمال الشرقي، دفعت الولايات المتحدة- بشكل مباشر أو من خلال وكلائها السوريين- من أجل تشكيل تحالفات جديدة تعلن عداءً شرساً وعلى أساس قومي لمسد، في محاولة لإشعال صراع كردي عربي في الشمال الشرقي، مما سيسهم- إن نجح- في تأخير التقدم في العملية السياسية على المستوى الوطني.

علاوة على ذلك، تواصل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرض المزيد من العقوبات، بينما لا يزالان يدّعيان أنهما يضمنان عدم وجود آثار سلبية على المدنيين السوريين. ومع ذلك، فإن الظروف المعيشية للسوريين العاديين تتدهور بشكل حاد، ومن المتوقع أن تزداد سوءاً مع اقتراب فصل الشتاء، مما سيزيد من بؤس السوريين وسط ارتفاع جنوني للأسعار ونقص حاد في مواد أساسية عديدة، مما يؤثر سلباً على جميع جوانب حياة السوريين، بما في ذلك قدرتهم على تأمين خبزهم اليومي. طوال الوقت، تستمر القلة الناهبة في النهب، وفي أغلب الأحيان، أكثر من ذي قبل. ما يحاولون تحقيقه من خلال هذا هو إيصال الناس إلى النقطة التي يقبلون فيها أي شيء من شأنه إنهاء معاناتهم، بما في ذلك احتمالات التقسيم التي بات البعض يتحدث عنها بشكل موارب، عبر طروحات تتعلق بلامركزية مؤقتة أو ما شابه ذلك من اختراعات... وهو ما يطمح الغرب لفعله بشروط معينة، من شأنها أن تعزز سيطرته في سورية والسياسة السورية لأجيال قادمة.

الأطراف السورية

المتشددون من جميع الأطراف السورية يقومون بدورهم في تقويض العملية السياسية ومنع التقدم فيها. والحديث يجري عن شخصيات وجماعات وتيارات تستفيد من الحرب بشكل أو بآخر. أكثر من ذلك، فبالنسبة لهؤلاء، فإنّ نهاية الأزمة، لا سيما من خلال حل سياسي شامل يمارس فيه الشعب السوري حقه الطبيعي في تقرير مصيره، يعني نقطة النهاية بالنسبة لأوزانهم وقدراتهم على نهب الشعب السوري والاستثمار في دمائه.
على نحو متزايد، أصبح هؤلاء المتشددون أكثر وضوحاً وأسهل في التعرف عليهم، والأهم من ذلك، بدأت خطاباتهم ومواقفهم تتقاطع بشكل علني في العديد من القضايا، وصولاً في بعض الأحيان إلى استخدام العبارات ذاتها في بعض القضايا... ويمكن أن نقف هنا عند بعض نقاط التقاطع تلك:

- المواقف المواربة وغير الواضحة من موجة التطبيع التي تجتاح المنطقة؛ بما في ذلك محاولات عزل قضية الجولان السوري المحتل عن القضية الفلسطينية، وصولاً إلى تحويله إلى «قضية عقارية»!
- الدفع نحو مزيد من عزلة الشمال الشرقي، بما في ذلك استسهال إطلاق صفة «الإرهاب» على القوى الأساسية هناك، بما يحمله ذلك من تكرار سخيف لمنطق «الحسم»، وبما يحمله من ابتعاد عن منطق الحوار والتفاهم بين السوريين فيما بينهم.
- المواقف والتصريحات من الاتفاق بين القوى السياسية السورية خارج الإطار الذي يسيطر فيه الجانبان- مثال صارخ على ذلك الموقف المتطابق من مذكرة التفاهم بين حزب الإرادة الشعبية ومجلس سوريا الديمقراطية نهاية آب الماضي.
- الموقف من العقوبات الغربية وتحديداً قانون قيصر– ومحاولة تحييد الأنظار عن تأثيراته الإجرامية القاتلة بطريقة أو بأخرى.
- مخاطبة جزء واحد فقط من الشعب السوري، سواء بشكل مباشر أو بشعارات عفا عليها الزمن، بحيث يعتبر كل من المتشددين في الطرفين، جزءاً من الشعب السوري «قاعدته الشعبية»، والتي ينصب نفسه ناطقاً باسمها، بالتوازي مع إخضاعها المباشر اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.

هذه بعض من الأمثلة الصارخة على الاصطفاف بين الأطراف السورية المتشددة، والتي تعمل مع داعميها الدوليين، المعلنين أو غير المعلنين، على تقويض العملية السياسية ووضع العراقيل في طريقها. ولكن اقتراب استحقاقات الحل وتراكمها، وما ينتجه ذلك من افتضاح أكبر للغايات الحقيقية وراء الشعارات، من شأنه أن يعمق ويسهل عملية الفرز بين الشعب السوري ككل من جهة، وبين القلة الناهبة في الطرفين من الجهة الثانية... وهي عملية لا غنى عنها ليس لتطبيق 2254 فقط، بل ولتحويل تطبيقه إلى باب للتغيير الجذري الشامل الذي يصب في مصلحة الشعب السوري بالذات، ولا أحد آخر...

(النسخة الانكليزية)