تعثّر مخططات ضم الضفة إشارة أولى حول فشل «الصفقة»
عقدت حركتا حماس وفتح يوم الخميس الفائت، 2 تموز، مؤتمراً صحفياً مشتركاً، أعلنتا فيه عن اتفاقهما على خطة مشتركة لمواجهة المساعي الصهيونية لضم الضفة الغربية إلى دولة الكيان المحتل.
الخطوة بحد ذاتها، تبعث برسالة مهمة حول حجم العقبات الكبرى التي سيواجهها الكيان في محاولاته تنفيذ ما يسميه «صفقة القرن»، والتي تُعد محاولات ضم الضفة الغربية جزءاً منها.
حسابات معقدة
قبل الحديث عن الاقتراب من إعادة مركز ضوء النقاشات الفلسطينية الداخلية إلى حيث يجب أن يكون، أي: إلى كيفية العمل المشترك ضد المحتل، فإنّ من المفيد الإشارة إلى أنّ «الصفقة» نفسها لا تزال محل جدلٍ كبير في الأوساط المؤيدة لـ«إسرائيل» في الغرب عموماً وفي الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل خاص، وحتى بين المستوطنين أنفسهم. جيمي كارتر، الرئيس الأمريكي الأسبق، أصدر بياناً حول الموضوع قبل أيام، قال فيه: «الضم المتوقع سيكون بمثابة مصادرة ضخمة وغير قانونية للأراضي الفلسطينية». وأضاف: «يجب وقف الضم، وعودة (الإسرائيليين) والفلسطينيين إلى مفاوضات هادفة على أساس قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات الثنائية السابقة».
كما استنكر توسّع «إسرائيل» المستمر منذ عقود في المستوطنات بالضفة الغربية، مشيراً إلى أنها تُعرض للخطر «أية إقامة محتملة لدولة فلسطينية ذات سيادة، وتنهي حل الدولتين المتفق عليه دولياً، ومعه إمكانية إيجاد حل عادل للصراع».
من البدهي أنّ كارتر لم يتحول في ليلة وضحاها إلى «مناصر للقضية الفلسطينية»، كل ما في الأمر أنّه يتوجس من خطورة هذه الصفقة نفسها، وضمناً خطوات الضم، على مستقبل كيان الاحتلال نفسه ضمن المنطقة.
كارتر ليس الوحيد في رأيه الضمني هذا، هنالك من أعلن فعلياً عن تخوفاته على مصير «إسرائيل»، في حال استمر الإصرار على المضي في تنفيذ «الصفقة» ذات اليد الواحدة؛ مراكز أبحاث عديدة تابعة للعدو، وكذلك مقالات عديدة في صحف بريطانية خصوصاً، أدانت محاولات ضم الضفة الغربية، وفسرت ذلك بأنّ عمليات الضم ستؤدي بالضرورة إلى إنهاء الخلافات الفلسطينية الداخلية، أو تأجيلها على الأقل، بل وستدفع نحو توحيد الصف الفلسطيني بالاتجاه المقاوم.
أخطر من ذلك، من وجهة نظر الحريصين على «إسرائيل»، هو أنّ عملية الضم ستؤدي إلى إنهاء عملي وفعلي، وليس بالقول فقط، لكل أشكال التنسيق الأمني مع العدو. ولعل الخطر الأكبر من وجهة النظر نفسها، هو فقدان الولايات المتحدة بشكل نهائي لدورها ضمن «عملية السلام»، لمصلحة الرباعية، وبشكل خاص لمصلحة الدور الروسي الذي بات من الواضح أنّه يزداد نشاطاً وفاعلية على خط القضية الفلسطينية بشكل متواتر.
توحيد الصف الداخلي
من «فوائد» صفقة القرن، أنها وضعت الفصائل الفلسطينية أمام استحقاق من الطراز الوطني الخالص، ولم يعد مجدياً بالنسبة لها، أية محاولات لتفادي موجبات ومستلزمات هذا الاستحقاق، وعلى رأسها العمل على وحدة الصف الفلسطيني، وتنحية عوامل الشقاق. وإذا كان هذا لا يعني بطبيعة الحال أنّ السلبيات التي تراكمت عبر عقود ضمن عمل الفصائل الفلسطينية ستزول بسحر ساحر وبيوم وليلة، إلا أنّ المؤتمر الصحفي الذي أشرنا إليه هو مجرد إشارة أولى تحتاج إلى استكمال على مستوى كل الفصائل الفلسطينية، وتحتاج بالضرورة إلى إعطاء الوزن الحقيقي لحركة الأسرى الفلسطينيين، التي أثبتت بمواقفها العديدة، ناهيك عن صمودها وبطولتها، أنها الأقرب إلى تمثيل الضمير الحي للشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات.
توحيد الصف الداخلي، لا يعني إلصاق الفصائل الموجودة بعضها ببعض
كما لا يعني فقط الوصول إلى توافقات أولية فيما بينها، بل يعني الوصول إلى آليات عمل ملموسة تنعكس في الهياكل والمؤسسات، وكذلك في طريقة تعاطي الفصائل مع الاصطفافات على الساحة الدولية بشكل أكثر حسماً ووضوحاً، وبعيداً عن أوهام التسويات عبر الأمريكي.
الانقسام الداخلي «الإسرائيلي»
في الوقت نفسه الذي تدفع به إجراءات الكيان- وسعيه نحو الضم- الصف الفلسطيني نحو التقارب، فإنها تُعمّق الشرخ الداخلي ضمن صفوف القوى والتيارات السياسية الصهيونية. وإذا كان الحديث عن «يسار» و«يمين» بين القوى السياسية «الإسرائيلية»، حديثاً بلا قيمة عملية، فإنّ الانقسام الواضح اليوم هو حول الموقف من صفقة القرن بما تحمله من احتمالات خطرة على استمرار وجود الكيان بأسره.
الحديث حول هذه «الخطورة»، وحول مستقبل الكيان ككل، ليس ضرباً من المبالغة، وليس حتى تقييماً فردياً يطرحه كاتب هذا المقال، بل هو أيضاً ما تقوله مراكز أبحاث العدو، وصولاً إلى استنتاجات وتوصيات كتلك التي ظهرت مثلاً في بعض مقالات مركز INSS والتي أوصت بعدم المضي قدماً ولا خطوة واحدة في عملية الضم، وشفعت ذلك وفسرته بأنه لن يضعف «إسرائيل» بالمعنى الدولي فحسب، ولن يعزز الأدوار الروسية والصينية على حساب «الأم الرؤوم» الأمريكية، فقط، بل وسيحل خلافات الفلسطينيين الداخلية، وسيعمّق الفجوة بين المستوطنين الصهاينة وصولاً إلى انقسامات شديدة الحدة... من الشواهد الحية على ذلك اشتراك مستوطنين مع فلسطينيين في نشاطات رافضة للضم ولصفقة القرن ككل.
أوسلو
من النتائج التي تتحدث عنها مراكز الأبحاث، نقض أوسلو. من المفهوم أنّ الصفقة نفسها هي نسف لأوسلو، ولكل القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وليست هذه المشكلة بالنسبة للصهاينة. تتلخص المشكلة في أنّ عملية نسف أوسلو التي يتخوفون منها، ستكون نسفاً لأوسلو لا يتزامن مع تنفيذ للصفقة، وبكلمة موجزة، نسف أوسلو للعودة إلى ما قبلها، أي: إلى مرحلة الكفاح المسلح بعيداً عن مفاوضات سلام يرعاها الخصم والحكم.
نسف أوسلو، وبداية التقارب ضمن الصف الوطني الفلسطيني، يعني بالضبط فتح باب الجحيم على مستقبل الكيان الصهيوني... وهذا هو ما يرعب قسماً غير قليل من مناصري الصهيونية، في صفقة القرن وصولاً إلى استخدام الشتائم في تقييم سلوك نتنياهو وترامب. من ذلك ما قاله الرئيس السابق للكنيسيت «الإسرائيلي» أبراهام بورغ يوم الرابع من الجاري: «ترامب ونتنياهو يتملكهما جنون النرجسية، وعديما الضمير والأخلاق، وهما مستعدان للانقلاب على أي شخص فقط لإنقاذ نفسيهما، والحفاظ على السلطة».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 973