ما هو الهدف من الأكاذيب الصهيونية حول مستقبل سورية؟
رائد سعيد رائد سعيد

ما هو الهدف من الأكاذيب الصهيونية حول مستقبل سورية؟

خلال الأشهر القليلة الماضية، والشهر الأخير بشكل خاص، جرى إغراق الفضاء الإلكتروني والإعلامي بكم هائل من التصريحات والمقالات التي تتحدث عن مواعيد وآجال وآليات محددة لعملية التغيير في سورية.

الملفت للنظر، والمثير للاهتمام، هو الدخول الصهيوني المباشر على خط صناعة الأخبار التفصيلية الخاصة بسورية، سواء جاء ذلك عبر المدعو إيدي كوهين أو أشباهه أو عبر بعض النكرات من عملاء الصهاينة ذوي الأصول السورية.

موجة غربية واحدة

أول ما ينبغي أن يقف عنده المرء في الأخبار صهيونية المنشأ، أنها ليست معزولة عن الموجة العامة الغربية التي يساهم في قيادتها المبعوث الأمريكي جيمس جيفري عبر تصريحاته الكثيفة، وكذلك الصحافة البريطانية؛ يمكننا أن نتذكر موجة المقالات والتصريحات التي استندت ظاهرياً إلى بعض المقالات الانتقادية للنظام السوري في الصحافة الروسية، وحاولت توظيفها في اتجاه مضاد تماماً؛ حيث سعى الغرب وبالتكافل والتضامن مع المتشددين في طرفي الأزمة السورية، إلى استخدام مسألة الشخصنة دائماً وأبداً لمنع عملية التغيير ولمنع حل الأزمة السورية ولتعميقها وتعميق الاستنزاف وصولاً إلى الخراب الشامل «المأمول».

فحوى الأكاذيب

تتمحور الأكاذيب الصهيونية والأمريكية والبريطانية حول الفكرة التالية: (هنالك اتفاق سري بين روسيا والولايات المتحدة و«إسرائيل» يتضمن النقاط التالية: 1- قلب النظام في سورية وفرض نظام بديل عبر مجلس عسكري أو ما شابه. 2- إخراج إيران من سورية. 3- تحويل سورية إلى بلد فيدرالي مقسم لعدة أقاليم يحكم كل منها حكومة خاصة ويكون النظام العام برلمانياً والمركز ضعيفاً).

مزيد من الأكاذيب

لكي تصبح هذه الأكاذيب قابلة للتصديق، يجري دعمها بالمزيد والمزيد من الأكاذيب؛ على المبدأ النازي الشهير، مبدأ غوبلز وزير البروباغندا النازية: «اكذبوا ثم اكذبوا ثم اكذبوا فلا بد أن يعلق شيء في الأذهان».
الأكاذيب الإضافية تبحث عن أي تفصيل أو لقاء أو إجراء وتعمل على تبهيره وتضخيمه وتحريفه بحيث يدخل ضمن الرواية الكاذبة نفسها. من ذلك مثلاً: المبالغات والاستنتاجات والتحليلات العجائبية التي ركزت الضوء على لقاءات معينة أجراها الطرف الروسي مع بعض الأطراف والشخصيات السورية، علماً أنّها لم تكن أكثر من لقاءات هامشية ضمن كم هائل من اللقاءات التي أجراها الروس ضمن الفترة نفسها.
لكن ذلك كلّه لا يكفي وحده؛ إذ يجب وضع الأمور جميعها على أساس ما «منطقي»، حتى ولو كان منطقاً سخيفاً، ولكن لا بد من «منطق» ما. وعليه، يجري وضع الرواية بأكملها على أساس الفكرة التالية: الروس يحاولون التخلص من الورطة السورية، وخاصة في ظل قانون قيصر، ولذلك فهم مضطرون لتقديم تنازلات للأمريكي والصهيوني على حساب حلفائهم الآخرين، وخاصة ضمن ثلاثي أستانا.

نظرة أوسع

الانغماس في نقاش مدى صلاحية الأكاذيب المشار إليها، هو جزء من اللعبة نفسها، وهو كما يقال: غرقٌ في كأس ماء. ولذا فإنّ أفضل الطرق لفهم معانيها وأهدافها هو توسيع زاوية النظر عودة إلى فهم جوهر الصراعات الدولية والإقليمية الجارية، ومن ثمّ معاينة الوضعية السورية في سياقها، وليس ضمن سياق وهمي وافتراضي.

واشنطن- لندن- تل أبيب

علينا أن نتذكر دائماً تصريح جيفري (12 أيار في ندوة مع معهد هدسون)، والذي قال فيه: «إنّ تواجدنا العسكري (في سورية)، رغم صغره، مهم لهذه العملية الحسابية الكلية. لذا نحث الكونغرس والشعب الأمريكي والرئيس على إبقاء هذه القوات قائمة. ولكن مرة أخرى، هذه ليست أفغانستان. هذه ليست فيتنام. هذه ليست مستنقعاً. وظيفتي هي جعلها مستنقعاً للروس».
هذا التصريح يعيد التأكيد على جوهر السياسة الأمريكية في المنطقة: الفوضى الخلاقة. ويمكن أيضاً التذكير بموقف الولايات المتحدة من النصرة، في تصريح آخر لجيفري نفسه أشار فيه وضوحاً إلى إمكانية رفعها من قوائم الإرهاب.
أهم من التصريحات، السلوك العملي للولايات المتحدة، والذي كان دائماً وأبداً موجهاً نحو تعقيد الأزمة السورية، وتكريس حالة التقسيم، ومن ذلك ما تفعله من إجرام اقتصادي عبر العقوبات عموماً وقيصر خصوصاً.
أهم من التصريحات والسلوك العملي، فهم المشروع الكبير لكل من الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من الجهة المقابلة. في الوقت الذي وضّحت الإستراتيجية الدفاعية الأمريكية 2018 أنّ أولويتها الأولى هي التنافس مع الصين وروسيا وليس محاربة الإرهاب، فإنّ أولوية روسيا والصين بوصفهما اقتصادين صاعدين هي إرساء الاستقرار في جوارهما القريب، وسورية جزء من هذا الجوار شديد القرب. لأنّ الاستقرار هو الشرط الضروري لتحويل المشاريع الأوراسية والحزام والطريق وغيرها من مشاريع عملاقة إلى إمكانية واقعية. على العكس من ذلك، فإنّ تأخير صعود روسيا والصين يتطلب بالضرورة إبقاء حالة الصراع والفوضى إلى أطول مدى ممكن. ولا يغيب عن بال أي متابع حصيف للأوضاع العالمية أنّ منطقتنا بالذات، وسورية خصوصاً، باتت فتيلاً مشتعلاً لاستمرار أزمات المنطقة بأسرها.
أخطر من ذلك، أنها في حال استمرت ضمن الوضع نفسه، مع تشديد العقوبات الأمريكية وتشديد عمليات التخريب، فإنها ستتحول بالتأكيد إلى صاعق تفجير يعيد إحياء الحرب بمقاييس أكبر وأشد ضخامة.
ولهذا كلّه، يمكننا القول، وبغض النظر عن أي تصريح أمريكي أو بريطاني أو صهيوني: إن أفضل الأوضاع بالنسبة لهؤلاء هي تثبيت الوضع على ما هو عليه، أي: إدامة الاستنزاف وفتح احتمالات تفجير أوسع، وبالتأكيد منع الحل عبر منع التغيير عبر منع تنفيذ القرار 2254 كاملاً... وليس مستغرباً في هذا السياق أنّ وزير الخارجية الروسي قد صرح بشكل واضح على هامش لقائه مع وفد ليبي في موسكو، بأنّ المطلوب هو التطبيق الكامل للقرار 2254.
بكلام آخر، فإنّ المشروعين الروسي الصيني من جهة، والأمريكي الصهيوني من الجهة الأخرى، متضادان بالكامل في سورية. الأول: مصلحته العليا هي الاستقرار، ولا استقرار دون تنفيذ كامل لـ 2254، ولا استقرار ضمن النماذج التي يطرحها الغربيون من نمط الفيدرالية والدولة الضعيفة على النمط العراقي واللبناني. الثاني: مصلحته هي الخراب، ولذا ينبغي منع التغيير ومنع تنفيذ القرار بأي شكل من الأشكال، والدفع نحو النماذج العراقية واللبنانية واليوغسلافية وغيرها من النماذج الغربية المدمرة.

ما هو هدف الأكاذيب؟

يمكننا تلخيص أهداف الأكاذيب الصهيونية بما يلي:
الإيحاء الكاذب بأنّ روسيا تعمل ضد إيران، الأمر الذي من شأنه أن يثير الشقاق والفتنة، ويعقد عملية الحل السياسي ويؤخرها، أو يمنعها كما يتمنى الصهيوني.
الإيحاء الكاذب بأنّ روسيا تقدم على «خيانة» الشعب السوري، وهو الأمر الذي يفيد المتشددين في النظام والمعارضة، ويساعدهم في الاصطفاف إلى جانب الأمريكي ضد الحل، سواء أعلنوا ذلك أم لم يعلنوه.
ضمن السيناريو «الأسوأ» من وجهة النظر الأمريكية الصهيونية، والأفضل من وجهة نظر المصلحة الوطنية السورية، أي: ضمن سيناريو تطبيق القرار وحل الأزمة، (ارتفاع احتمالات هذا السيناريو إلى حدود غير مسبوقة هو بالذات ما يدفع لتوليد الأكاذيب التي نتحدث عنها) فإنّ الصهيوني والأمريكي، وعبر كم الأكاذيب الهائل، سيحاول أن يقلل من المفاعيل الكبيرة لهزيمته في سورية، عبر الإيحاء بأنه متحكم أساس بما يجري وسيجري. ذلك أنّهما يعلمان علم اليقين، ولأن سورية تحولت إلى البؤرة الأكثر أساسية ضمن الصراع الدولي، أنّ لحظة التطبيق الكامل للقرار 2254، هي بالمعنى التاريخي، لحظة مطابقة للتثبيت النهائي لميزان القوى الدولي الجديد، الذي يقضي نهائياً على الأحادية القطبية، وعلى السطوة التاريخية الغربية عبر خمسة قرون مضت. وميزان القوى الجديد لن يقف عند حل المسألة السورية، بل سيتحول حلّها إلى قاعدة أولى للانطلاق نحو تغييرات كبرى على المستوى العالمي بأسره.

معلومات إضافية

العدد رقم:
973
آخر تعديل على الإثنين, 06 تموز/يوليو 2020 15:39