قمة أنقرة: دور أستانا الريادي... والحل الفعليّ يبدأ قريباً!
سعد صائب سعد صائب

قمة أنقرة: دور أستانا الريادي... والحل الفعليّ يبدأ قريباً!

يبدو أنّ المتشددين من الأطراف السورية، وضمن القائمة الطويلة لما يتفقون عليه، يتفقون بشكل خاص على مهاجمة مسار أستانا صراحة أو مواربة، وبشكل أكثر تحديداً فهم يتفقون على محاولة تضخيم الخلافات بين أطراف الثلاثي، بل واختراعها إن لزم الأمر...

حتى أولئك الذين طالما هاجموا أستانا، باتوا اليوم يسمونها «تحالف الضرورة»، وأملهم في ذلك أن يعكسوا صورة تقول بهشاشة التحالف، واحتمالات انفراط عقده في أية لحظة، بينما حقيقة الأمر أنهم من حيث يدرون أو لا يدرون، إنما يؤكدون على درجة صلابة هذا المسار؛ فهو فعلاً قد وصل درجة التحالف، ولم يعد في حدود التقارب، وكذلك أيضاً فهو فعلاً تحالف الضرورة، الضرورة الموضوعية للعمل الموحد ضد الأمريكي والغربي الذي يريد الخراب لكل هذه البلدان، وبهذا المعنى فليس هنالك من تحالف أقوى من تحالف الضرورة، التحالف القائم على المصالح الأكثر عمقاً وإستراتيجية؛ المصالح الوجودية.
كلمة السرّ في مواقف هؤلاء وأولئك من المتشددين، هو أن كل خطوة إضافية في تعزيز صلابة ثلاثي أستانا، تعني خطوة إضافية في إضعاف الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً في الملف السوري، والعم سام هو في نهاية المطاف أبو الفاسدين الكبار والعملاء بأشكالهم وأنماطهم المختلفة، لا في سورية فحسب، بل وفي المنطقة بأسرها، بوصفه مركز النهب ضمن علاقة مركز أطراف القائمة على التبعية الاقتصادية بالحد الأدنى، والسياسية بالحد الأقصى. وإضعاف الأمريكي والغربي، يعني فتح الأفق أمام التغيير الحقيقي، أمام كسر علاقات التبعية، والانتقال ببلدان المنطقة إلى نمط العلاقات الدولية الجديد، القائم على ضرب التبادل غير المتكافئ، والذي لا يمكن أن يستقرّ فعلياً إلا عبر تفعيل إرادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، وبالخاص السوري فإنه لا يمكن أن يتم إلا عبر التطبيق الكامل للقرار 2254.

دور أستانا الريادي

في إطار قراءة ما خلصت إليه قمة أنقرة الثلاثية الأخيرة (يوم الاثنين 16 أيلول الجاري، وهي القمة الخامسة من نوعها خلال عامين)، سنمر على مجموعة أساسية من النقاط التي ظهرت بشكل خاص في المؤتمر الصحفي المشترك للرؤساء الثلاثة.
جرى التأكيد بصيغ مختلفة، من الرؤساء الثلاثة، على الدور الريادي والقيادي لمجموعة أستانا في حل الأزمة السورية، وهذا يحمل ضمنه تعبيرات واضحة عن انتقاد عميق يصل حد الرفض للأدوار التي تلعبها المجموعة المصغرة بقيادة واشنطن. وليس الرفض فحسب، بل والإعلان شبه الصريح عن أنّ الحل يمكن أن يجري بغض النظر عن المجموعة المصغرة في حال أصرّت على مواقفها المعرقلة للحل، وعلى سياساتها التخريبية تجاه المنطقة.

الدور الأمريكي «خبيث»

إذا كانت طبيعة اللغة السياسية التي تستخدمها إيران في مواجهة الولايات المتحدة، معروفة بحدتها وكلماتها المباشرة، فإنّ ما ورد على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال المؤتمر الصحفي، يعكس ما هو أبعد من ذلك؛ فحين يقول روحاني بموقف موحد للدول الثلاث تجاه «النوايا الخبيثة» للولايات المتحدة الأمريكية، فإنه يعكس موقفاً عميقاً يشمل هذه الدول حقاً، والمعلوم في العمل الدبلوماسي، وخاصة على هذا المستوى، أنّه لا يمكن لطرف أن يصرّح بكلام يعكس موقف طرف آخر دون الاتفاق معه على ذلك؛ بكلام آخر، فإنّ الرسالة شديدة اللهجة تجاه الولايات المتحدة هي رسالة ثلاثية مشتركة، خرجت على لسان الرئيس الإيراني باعتبار الخطاب الإيراني التقليدي لا يبتعد عن هذه اللغة كثيراً.
هذه الرسالة، تزيد وضوح الابتعاد التركي المتسارع عن الولايات المتحدة بوضوح، والذي يظهر في شتى المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية. فوق ذلك، فإنها تساعد من يريد التخلّص من أوهام «صفقات تحت الطاولة» بين الروسي والأمريكي، على الخروج بسرعة من مستنقع الأفكار الخاطئة التي لا تقود إلا صوب تقديرات ومواقف وسياسات خاطئة، وربما كارثية.

حول اللجنة الدستورية

أعلن الرؤساء ضمن القمة عن تشكيل اللجنة الدستورية، التي من المفترض أن يعلن عنها «بيدرسون» قريباً، ووضعوا بذلك الأساس، من حيث المبدأ، لإنهاء واحدة من القضايا المعلَّقة التي عملت المجموعة الغربية على تحويلها من مفتاح للحل كما أرادتها أستانا، إلى جدار صيني في وجهه، يمنعه ويمنع الانتقال نحو أي ملف آخر من ملفاته المتضمنة في القرار 2254. وبرز ضمن المؤتمر التوافق الواضح بين الثلاثي على ضرورة الوصول إلى إصلاح عميق للدستور، بما في ذلك الوصول إلى دستور جديد.

وحدة الأراضي السورية وخروج كل القوى الأجنبية

جرى التأكيد أيضاً على وحدة سورية وسيادتها وضرورة الوصول إلى خروج كل القوى الأجنبية منها، الأمر الذي يستهدف الوجود الأمريكي والغربي بالدرجة الأولى، ولكنه يتضمن أيضاً الوجود التركي نفسه، والذي لن يطول هو الآخر مع حلحلة مسألة إدلب ومسألة شرق الفرات بالتوازي مع بدء الحل السياسي الفعلي.

إدلب

على غرار المسائل الأخرى، ظهر توافق واضح حول إنهاء الوجود الإرهابي في إدلب، ما يعني اتفاقاً ضمنياً على سيناريو محدد غير معلن حتى الآن، ولكن جوهره هو إنهاء جبهة النصرة وأشباهها، وإنهاء العناصر غير السورية ضمن التشكيلات المختلفة، وصولاً إلى تسوية وضع إدلب في إطار الحل السياسي الشامل، بما يضمن عودتها لسيادة الشعب السوري.

شرق الفرات

إذا كان اجتماع القمة قد سبقه موقف روسي أبدى «تفهمّاً» لطروحات تركيا حول المنطقة الآمنة، وقلنا في حينه إن المقصود من هذا التفهم هو المزيد من الضغط على الأمريكي باتجاه خروجه النهائي من سورية، وكذلك مزيد من الضغط على بعض القوى التي باتت مواقفها المعلنة مستندة بشكل كامل إلى الأمريكي نفسه، فإنّ المقاربة التي قدمها الرئيس الإيراني للمسألة، ورغم أنها لم تتضمن تعبير «المنطقة الآمنة»، إلا أنها نحت المنحى الروسي نفسه، في إطار تفهم الموقف التركي، وتجميع المواقف وتوحيدها في وجه الأمريكي ومخططاته التقسيمية والتخريبية في سورية من بوابة الشمال الشرقي. هذا التوافق، من شأنه أن يعكس أيضاً، أنّ هنالك توافقاً ملموساً بين الدول الثلاث على سيناريوهات استعادة السيادة السورية على الشمال الشرقي وإخراج الأمريكي منها.

«ألّف بين قلوبكم»

من المسائل التي جرى تداولها بشكل واسع بعد المؤتمر الصحفي، هي استشهاد بوتين بالقرآن الكريم: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا»، واصفاً بالعمق حالة ثلاثي أستانا نفسه، الذين كانوا في محطات مختلفة من التاريخ الحديث، أعداءً أو خصوماً بالحد الأدنى، واستكمل بوتين بعد هذا الاستشهاد بالقول إنّ أولئك الذين يبذرون الخصام والعداوة بين الإخوة تنبغي إزالتهم، والمقصود بشكل واضح من هذا الكلام، هم الأمريكان بالذات ولا أحد آخر...
من جانب آخر، فإنّ مجرد الاستشهاد بالقرآن في مؤتمر من هذا النوع، يعكس رغبة روسية في تظهير عوامل التقارب الشرقي بين شعوب هذه المنطقة، والتي تلعب الثقافة الإسلامية بلا شك جزءاً من أساساتها، والمعلوم أنّ الإسلام هو ثاني أكبر دين في روسيا بنسبة تصل إلى 15% من السكان.

«لدينا إس 300 وإس 400... فليختاروا بأنفسهم»

من الإشارات المهمة التي وردت ضمن المؤتمر الصحفي، هي تلك التي عرض فيها بوتين، في إطار الجواب على سؤال عن هجمات أرامكو، على السعوديين شراء منظومة إس 300 أو إس 400 للدفاع عن مصالحهم.
إنّ مجرد إعلان هذا الأمر، يعني أنّ تحضيراً جدّياً له قد قطع مراحل كبيرة، وهو إنْ جرى سيكون إشارة تحولٍ جدّي في المشهد الإقليمي بأسره، إذ إنه سيعني بداية استدارة سعودية على غرار التركية، والتي وإنْ كان حدوثها لا يزال مسألة احتمالات لا يمكن الركون إليها، إلا أنّ مختلف المؤشرات الواقعية ترفع من حظوظها يوماً بعد آخر، وخاصة في ظل عمليات الابتزاز الضخمة التي تخضع لها السعودية، والتي باتت من الضخامة بحيث تهدد بانفجار وشيك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
932
آخر تعديل على الأربعاء, 25 أيلول/سبتمبر 2019 13:35