افتتاحية قاسيون 927: لا أمان دون الحل السياسي الشامل!

افتتاحية قاسيون 927: لا أمان دون الحل السياسي الشامل!

مرّ أكثر من أسبوع على الإعلان الأمريكي التركي عن التوصل إلى اتفاق حول «منطقة آمنة» في الشمال الشرقي السوري، وأكدت الوقائع والتصريحات المختلفة ما ذهبنا إليه في افتتاحية قاسيون الماضية، حين وصفنا الاتفاق بأنه «تكاذب متبادل» بين الأمريكي والتركي، يسعى كل منهما للإيقاع بالآخر من خلاله؛ وقد ظهرت منذ الساعات الأولى بعد الإعلان علامات ذلك عبر غياب أية خطوات عملية مؤثرة، كما عبر جملة التصريحات المتبادلة التركية الأمريكية التي حمل بعضها لهجة أكثر تصعيداً من تلك التي كانت قبل الاتفاق.

إنّ من «فضائل» هذا الاتفاق، رغم خلبيّته، أنه جرس إنذار جديد لبعض الأطراف السورية الموزعة على متاريس مختلفة، والمستقوية بالأمريكي والغربي، علناً أو مواربة، وكذا المستقوية بالتركي، أنّ طريقها السالك نحو مزيد من الخسائر والتراجع هو استمرار معاندتها وتهربها من حل يتم عبر التوافق السوري الحقيقي، لا عبر فرض طرف سوري إرادته على آخر، وعلى أساس القرار 2254، وبناءً على ما أنجزته مِنصة أستانا.

إنّ واقع الحال السوري اليومي، يؤكد أنّ منطقة الشمال الشرقي ليست آمنة ولن تصبح آمنة بعد الاتفاق الأمريكي التركي، حتى ولو تم تطبيق ذلك الاتفاق. وليس الشمال الشرقي غير آمن وحده، بل وإدلب ومحيطها أيضاً، وأكثر من ذلك، فإنّ البلد بأكملها ليست آمنة؛ فليست في سورية بقعة واحدة يمكن وصفها بأنها آمنة على مختلف الصعد، فحيث يوجد الأمان العسكري النسبي، يغيب الأمان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتبقى الأمور مرشحة في كل لحظة لمخاطر جديدة، وانتكاسات تظهر مؤشراتها الواضحة في عدد غير قليل من المحافظات السورية، وبشكل خاص مع التفاقم المستمر والمتتالي للأزمات المعيشية التي لا يظهر في الأفق أي أمل لا في حلها فحسب، بل وحتى في إيقاف تعاظمها، طالما الفساد الكبير المستشري ما يزال مُتحكماً، وطالما بقيت أصوات الناس وحرياتها مقموعة بذريعة أنّ «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».

إنّ أماناً حقيقياً في سورية، لن يتحقق بشكل فعلي، وبمعانيه المختلفة، دون خروج كافة القوات الأجنبية من الأرض السورية، وعودة اللاجئين ورفع العقوبات، وحل قضايا المعتقلين والمفقودين، وإعادة الإعمار. كل ذلك بالتوازي وبالتزامن مع تنفيذ الحل السياسي الشامل المنصوص عليه في القرار 2254، وبشكل كامل، بما يضمن حق السوريين في تقرير مصيرهم بأنفسهم، ويفتح أمامهم أفق بناء نموذج جديد، سياسي واقتصادي اجتماعي يخدم المصلحة الوطنية حقاً وفعلاً عبر خدمته لمصالح الغالبية العظمى من السوريين، على العكس من الوضع القائم حالياً، حيث تغتني قلة قليلة على حساب إفقارٍ مُطلقٍ للأغلبية الساحقة. نموذج يُعيد لسورية دورها الوظيفي المعادي للصهيونية وللاستعمار الغربي بأشكاله وأطواره المختلفة، وضمن إحداثيات جديدة يُرسخها توازن دولي جديد يَعِدُ بانتهاء عصر البلطجة الغربية، بما يعنيه ذلك ضمناً من انتهاء البلطجة على المستويات الأدنى، الإقليمية والمحلية، والمرتبطة في نهاية المطاف، أياً كان ما تقوله عن نفسها، بالغرب ومنظومته...

معلومات إضافية

العدد رقم:
927
آخر تعديل على الأحد, 18 آب/أغسطس 2019 21:40