افتتاحية قاسيون 919: طحينُ الجعجعة الأمريكية: انهيارٌ متدّرج!
بعد ارتفاع الجعجعة الأمريكية خلال الأشهر الماضية حول إيران، ابتداءً من الانسحاب من الاتفاق النووي ومن ثم فرض العقوبات، وتشديد العقوبات مرة وراء مرة، ووصولاً إلى حافة الهاوية بعد إسقاط الطائرة المسيرة، عبر التهديد بضربة عسكرية، بل وتجهيز الضربة لوجستياً، يَلِدُ جبل التصعيد الأمريكي فأراً وتعود دعوات الحوار والتفاوض إلى تَسيّد المشهد.
المثال الإيراني ليس الوحيد في هذا الإطار، وليس الأول من نوعه؛ هل يسمع أحدٌ اليوم شيئاً عن فنزويلا والحملة الأمريكية «المرعبة» التي ستقلب فنزويلا رأساً على عقب؟ هذا أيضاً مثال آخر على ما يسمى سياسة حافة الهاوية. كذلك الأمر في سورية وفي كوريا الشمالية وفي أوكرانيا. يكفي أن تتكرر الظاهرة مرتين فقط لتكشف أنّ قانوناً ما يتوارى في جوهرها، ينبغي البحث لاكتشافه، فكيف وقد تكررت مرات ومرات، منها خمس حالات ذكرناها أعلاه.
إنّ الأزمة الأمريكية- الغربية الشاملة وما ستنتجه من انقسام وتراجع، والتي قلنا إنها قادمة لا محالة منذ بداية هذا القرن، بل ومنذ أواسط التسعينات، وكان قولنا في حينه بالنسبة لكثيرين ضرباً من الجنون، هذه الأزمة باتت أعمق وأوسع من أن تغطي انكشافها أية تحليلات أو شعارات زائفة.
هذه الأزمة نفسها التي تدفع واشنطن والمعسكر الغربي عموماً نحو مزيدٍ من الانقسام والتراجع، والتي تهدد بانهيار كامل المنظومة، فرضت خياراتها على النخب الحاكمة، وبات الانقسام بين إستراتيجيتين لا ثالثة لهما فإما الاستمرار بسياسات التصعيد وتخطي حدود حافة الهاوية وصولاً إلى الوقوع فيها عِبر أي صِدام صغير أو متوسط أو كبير لا قِبَل للولايات المتحدة في وضعها المزري أن تتحمله، وبالتالي الذهاب نحو انهيارٍ سريعٍ بآثارٍ كبيرة وشاملة قد تودي بالمنظومة بأسرها. أو البحث عن طريقة لضبط عملية التراجع وتقليل سرعتها وتطويق حدودها بحيث تكون الغاية الأعلى هي الوصول عبر انهيار تدريجي إلى حالة لا تنهار معها المنظومة بأسرها؛ أي أن النتيجة النهائية المرجوة، هي الانكفاء الكامل أو شبه الكامل باتجاه الداخل، والحفاظ على المنظومة في تلك الحدود، ولكن حتى ذلك لن يتم دون تغييرات كبيرة ضمن الحدود الأمريكية... الحل «الإبداعي» الذي ينتهجه ترامب للوصول إلى هذه الغاية، هو بالضبط سياسة حافة الهاوية؛ فالتراجع السريع أمر واقع، والدول الصاعدة لا تكف عن التضييق على سلطة الدولار بمعانيها المختلفة، وتطويقها بشكل يومي، ولذا فإنّ جعجعة الأمريكي اليوم، وعلى خلفية الانقسام الداخلي، وبالتحديد جعجعة ترامب، تستهدف أمرين أساسيين، أولاً: المزاودة على القسم المتشدد والمتطرف في النظام السياسي الأمريكي، ومنعه من تحصيل ما يريد في الإطار الداخلي من خلال احتوائه برفع درجة وحِدّة الصخب ضمن التصريحات والخطوات الخارجية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الوعود الانتخابية الانكفائية لترامب تحضيراً للانتخابات القادمة التي يبدو من المرجح أنه سيفوز فيها.
ثانياً: استخدام هذه المناورة بين التفاوض والتصعيد، لتحقيق الغاية المرجوة «الانهيار التدريجي» للإمبراطورية الأمريكية، ولعالم القطب الواحد، بديلاً عن الانهيار المتسارع والكارثي الذي لن يهدد العالم بأسره فحسب، بل الأهم من وجهة نظر النخب الأمريكية أنه سيهدد المنظومة الاقتصادية الاجتماعية التي تضعهم على رأس الهرم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 919