معنى الجمود الظاهري خلال الأشهر الماضية
دخلت الملفات السياسية والميدانية المختلفة المتعلقة بالأزمة السورية، ما يشبه حالة من السكون المؤقت منذ اتفاق 17 أيلول من العام الفائت حول إدلب؛ فبعد عام متواصل من الإنجازات المتلاحقة ميدانياً، مع إشارات أولية عن بداية حلحلة ملفات سياسية، بدا وكأن المسارين الميداني والسياسي قد توقفا، أو تجمّدا معاً.
عملية إنهاء الإرهاب متمثلاً بداعش والنصرة، تبدو متوقفة في مكانها، كذلك الأمر مع إنهاء مناطق النزاع المسلح. ملف اللجنة الدستورية أيضاً، ورغم الإصرار الروسي على إبقائه حاضراً على الطاولة، يبدو من حيث الشكل أنّه مؤجل لمرحلة أخرى، فما تفسير كل ذلك، وما هو الترتيب الفعلي الذي ستسير ضمنه الملفات؟
من الضروري التذكير دائماً، أنّ آليات التقدم في حل الأزمة السورية، محكومة إلى حدٍّ غير قليل بالصراع الدولي الأساسي بين المركز الغربي المتراجع، وبين القوى الصاعدة وعلى رأسها روسيا والصين، والضروري أكثر، هو: التذكير بأنّ التوازن الدولي الجديد، الذي بلغ مرحلته الصفرية بشكل تقديري مع الفيتو الروسي الصيني الأول، وتجاوز تلك المرحلة بعد ذلك بحيث رجحت الكفة لمصلحة القوى الصاعدة، هذا التوازن كان كفيلاً بإنهاء الأزمة حتى في مرحلته الصفرية، لو أنّ وزن المتشددين على طرفي المتراس، في النظام ومعارضته لم يكن هو الأعلى، وهؤلاء أياً كانت أقوالهم وادعاءاتهم فهم مرتبطون بنيوياً بالغرب ويخدمون سياساته؛ وأساس الارتباط اقتصادي؛ فالنخبة الفاسدة تابعة للغرب بطبيعتها التاريخية وبنمط نشاطها ونهبها الاقتصادي.
إنّ الوزن العالي للمتشددين- أتباع الغرب، والناجم عن الانخفاض المريع في مستوى الحريات السياسية عِبر عقود متتالية، والذي وضع المجتمع السوري بأكمله تحت رحمة نخبة من الفاسدين تتحكم بأجهزة الدولة، وتستخدم قوتها القمعية للدفاع عن مصالحها ونهبها، إنّ هذا الوزن منع الاستفادة من التوازن الصفري، ويمنع حتى الآن الاستفادة بشكل فعلي وسريع من تحول ذلك التوازن لغير المصلحة الغربية، والذي وإن مالت كفته ضد الغرب، لكنها لا تزال تترك هوامشاً للعب أتباع الغرب في منطقتنا وفي بلدنا، الأمر الذي يجعل من التقدم شديد الصعوبة مع كل خطوة تسير فيها البلاد إلى الأمام نحو الخروج من أزمتها. وربما ينفع هنا تذكُّر توصيف الرفيق خالد بكداش للصراع في سورية في مقاله شديد الأهمية «سورية على الطريق الجديدة» المنشور عام 1965: «سورية هي البلد العربي الذي يتميز بأنَ كل نضال فيه سلمي أو غير سلمي، لا بد أن يبلغ مداه بعد أن تنضج عناصره بصبر خلال عملية كاملة تذهب عمقاً واتساعاً...»
المؤكد: أنّ عناصر هذا النضال قد بلغت شأناً عظيماً من الامتداد عمقاً واتساعاً، وأنّ ما نشهده الآن هو نهايات ذلك الصبر المديد، وبالملموس يمكن قول ما يلي:
أولاً: إنّ انخفاض وزن الغرب، والأمريكان تحديداً، في سورية، بات أمراً ملموساً ومتصاعداً، والانسحاب العسكري الأمريكي لن يكون عامل التخفيض الوحيد، بل العامل الأكثر حسماً سيكون بتغيير البنية الاقتصادية- السياسية للبلاد، التي لا تزال في جوهرها تابعة للغرب تبعية عميقة، وهذا التغيير سيجد مدخله عبر اللجنة الدستورية.
ثانياً: إدلب على ما يبدو ستكون الحلقة الأولى التي سيتم فيها كسر الجمود الشكلي الحاصل، وموعد هذا الكسر بات من شبه المؤكد أنه سيلي مباشرة الجولة القادمة من أستانا في 14 من الجاري.
ثالثاً: بالتوازي مع إنهاء ملف إدلب والذي لن يستغرق أكثر من عدة أسابيع، ومع مراحله الأخيرة، سيتم إطلاق اللجنة الدستورية.
رابعاً: مع إنهاء إدلب وإطلاق اللجنة الدستورية، سيكون خروج الأمريكيين قد بات الملف الأول على الطاولة، ولن يستغرق إنهاؤه هو الآخر فترة طويلة.
بالمحصلة، فإنّ الجمود الشكلي القصير الذي استمر لما يقرب من 4 أشهر، سرعان ما سيتم تكسيره، وهو في مضمونه يعبر عن مراكمة إضافية ضرورية لتحقيق ضربة إضافية، ولكن قاصمة وتاريخية هذه المرة، للنفوذ والدور الغربي في سورية...