افتتاحية قاسيون 899: النخبة الفاسدة تستورد ليبرالية الغرب وعقوباته!

افتتاحية قاسيون 899: النخبة الفاسدة تستورد ليبرالية الغرب وعقوباته!

تتصاعد بشكل مطرد خطورة الأوضاع المعيشية للغالبية الساحقة من السوريين، وتصل بالتزامن مع العقوبات الغربية الجديدة إلى عتبة جديدة تنذر بإعادة إنتاج الأزمة بمستوى أعلى وأخطر من كل المستويات السابقة...

 

لا بدَّ من التذكير بداية، أنّ السياسات الليبرالية المنحازة لمصلحة نخبة فاسدة ضد مصالح عموم السوريين، هي بالذات من مهدّت الأرضية لانفجار الأزمة التي تعيشها البلاد منذ سنوات؛ فالأزمة الاقتصادية- الاجتماعية التي دخلتها سورية من باب الليبرالية، أنتجت توتراً اجتماعياً عالياً تحول إلى توتر وأزمة سياسية، وهذه الأخيرة التقطها أعداء الشعب السوري التاريخيون وعملوا على تعميقها.

مع تفاقم الأزمة السياسية، واستمرار السياسات الليبرالية نفسها، دخلت البلاد مرة جديدة في الدوامة نفسها (أزمة اقتصادية، توتر اجتماعي، توتر وأزمة سياسية) ولكن بشكل أعمق. واليوم تدخل البلاد في طور ثالث من هذه الدوامة، وقد قطعت المرحلة الأولى منها، أي: الأزمة الاقتصادية ودخلت في الثانية، أي: التوتر الاجتماعي العميق، وهي على وشك الدخول في الأزمة السياسية بشكل أعمق من كل ما سبق؛ بشكل يمكن له أن ينجز ما لم ينجزه الطور الثاني منها (الذي بدأ في آذار 2011، وامتد لسنوات لاحقة وكانت ميزته الأساسية هي المواجهات العسكرية)، أي أن ينجز إلغاء سورية كدور وظيفي بالحد الأدنى وكجغرافيا بالحد الأعلى.

إنّ السياسات الليبرالية التي تنفذها الحكومات السورية المتعاقبة، والتي ترسمها من وراء الكواليس نخبة فاسدة هي ذاتها مهما تغيرت الحكومات، تلتقي مع العقوبات الجديدة في كلمة سر واحدة: «الغرب والبنية التابعة له!»
مصدر العقوبات هو الغرب، ومصدر السياسات الليبرالية هو الغرب أيضاً، وأصحاب المصلحة في الاثنتين هم نخبة اقتصادية فاسدة ومرتبطة بالغرب تاريخياً، ورغم كل ظروف العداء السافر والمعلن التي تعيشها البلاد تجاه الغرب، إلا أنّ هذه النخبة لا تزال ثابتة ضمن البنية العامة للنظام السياسي في البلاد، بل ولا تزال المتحكم الأساسي بسياسات البلاد المختلفة.

إنّ كل العذابات التي مرّ بها الشعب السوري، لا تساوي شروى نقير عند النخبة الفاسدة، ولا تعنيها إلا بقدر ما توفر لها من أرباح إضافية، لأنّ عقيدة هذه النخبة هي أنّ مزيداً من النهب ومن الأموال تعني مزيداً من التحكم بمصير البلاد، وهي بذلك تراهن رهاناً خطيراً وخاطئاً في آن معاً!

إنّ شعار «التوجه شرقاً» اقتصادياً وسياسياً، والذي فرضه الواقع الموضوعي، لا يزال كلاماً بكلام، ولم يتحول إلى حيز التطبيق العملي، لأنّ تحولاً من هذا النمط يعني تحولاً عميقاً في البنية بالضد من مصالح سماسرة الغرب المتحكمين حتى اللحظة بمقاليد تسيير الاقتصاد في سورية، وإنّ أي تعويل على تغيّر التوجه ليخدم مصالح السوريين ويحارب الفساد الكبير حقاً وفعلاً، وليمنع إعادة إنتاج الأزمة بشكل أخطر من السابق، ليس سوى وهم وقبض للريح.
إنّ تغيير البنية العميقة للنظام السياسي في سورية، وعبر المدخل الدستوري، واستناداً للقرار 2254 الذي يعني في جوهره حق السوريين في تقرير مصيرهم، ليس المدخل الوحيد للخروج من الكارثة، بل وهو أيضاً المدخل الوحيد لمنع إعادة إنتاجها بدرجات أعمق، إعادة الإنتاج التي تلوح الآن في الأفق غير البعيد عبر التزاوج «الطبيعي والشرعي» بين السياسات الليبرالية الفاسدة وبين العقوبات الغربية المتصاعدة!