«خلي التغيير حقيقي»
دخلت الاحتجاجات الفرنسية أسبوعها الخامس على التوالي، ورغم التزوير الإعلامي الكبير للأعداد الحقيقية للمحتجين، إلا أنّ أعدادهم لا تزال بعشرات الألوف، ورغم التنازلات الجزئية التي قدمتها الحكومة الفرنسية، إلّا أن الحركة لا تزال مستمرة...
وقد أثبتت هذه الحركة، عبر استمراريتها، أنها غير محدودة زمانياً، بل وأثبتت عبر امتدادها، بدرجات متفاوتة، إلى عدة بلدان أخرى، أنها غير محدودة مكانياً أيضاً، وهو ما يعيد تأكيد ما ذهبنا إليه في افتتاحية قاسيون الماضية من أن «الشبح الذي طاف أواسط القرن التاسع عشر في أوروبا، عاد إليها، ولكن ليس إليها وحدها، بل بات يطوف العالم بأسره»
إنّ المشترك بين جميع التحركات الشعبية التي جرت خلال العشر الثاني من القرن الحالي، أنها انطلقت عفوية، وبلا قيادة سياسية، وخاصة بلا قيادات من الفضاء السياسي القديم. ورغم أنّ الحركة في بقاع عديدة قد تم اختطافها مؤقتاً، وبشكل جزئي يكبر أو يصغر، وذلك لأسباب تتعلق بدرجة نضجها (بعد ابتعاد عن الميدان قارب نصف قرن)، إضافة إلى التعقيدات الإقليمية والعالمية المختلفة، إلا أنّ ذلك كله، لا يلغي حقيقة أساسية يثبتها واقع الحركة، على المستوى العالمي، وبشكل يومي: الحركة مستمرة زمانياً وممتدة مكانياً، ولا تتوقف عن التطور...
إنّ أساس استمرارية الحركة، هو أنها لما تصل بعد للتغيير الذي خرجت من أجله؛ التغيير الذي سيمر حكماً عبر تمركز الحركة التدريجي حول إطارها الحقيقي: أولاً: برنامج التغيير. وثانياً: قوى التغيير (الفضاء السياسي الجديد).
إنّ التنازلات التي جرى تقديمها في الحالة الفرنسية، أو التغييرات التي لم تصل إلى جذر المشكلة، في تونس ومصر وغيرها من الأمثلة، تثبت حقيقة: أنّ التغيير يجب أن يكون حقيقياً؛ حقيقياً بعمقه وبضربه لأساس الأزمات المختلفة المتراكمة التي دفعت الناس للانخراط في حركة التغيير، تغيير حقيقي، لا يعني تغييرات شكلية في الوجوه أو الأحزاب، بل يعني إعادة صياغة جذرية للعلاقة بين ثلاثة أقطاب: (المجتمع، الحركة السياسية، الدولة(
أثبتت تجارب السنوات الماضية، وفي دول عديدة، أنّ إنهاء أية أزمة دون وضع الأساس الحقيقي لحلها، لن يبقيها قائمة فحسب، بل وسيجعلها أكثر إيلاماً وكارثية.
ومن هنا، فإنّ أمام السوريين فرصة مهمة لوضع أساس عملية التغيير الحقيقي الكفيل بإنهاء الأزمة بشكل جذري، تلك الفرصة، هي: المسألة الدستورية، ليس بما هو حبر على ورق؛ بل بوصفه رؤية معرفية ناضجة لنمط العلاقات الجديد بين الأقطاب الثلاثة (المجتمع، الحركة السياسية، الدولة)؛ رؤية من شأنها فتح آفاق تغيير حقيقي يقطع نهائياً مع جذور الأزمة وأسبابها العميقة.
إنّ الشبح الذي يطوف العالم بأسره، مستمر في طوافه، ولن يتوقف حتى يبذر أسس التغيير الجذري الشامل، وحتى يراها تنمو وتزهر، وعلينا كوطنيين سوريين، وفي مختلف المواقع، أن نجعل التغيير في بلدنا حقيقياً؛ بغير ذلك، فإنّ الكارثة لن تتوقف.