بالنسبة لبكرا شو؟!

بالنسبة لبكرا شو؟!

لم يعد هذا السؤال مجرد عنوان مسرحية لزياد الرحباني بالقدر الذي أصبح فيه سؤالاً مشروعاً يشغل بال الأغلبية الساحقة من الشباب السوري، فالتفكير بالمستقبل بات هاجساً يؤرق الجميع. وبين التشاؤم بالوضع الحالي والتفاؤل بمستقبلٍ أفضل، يقف الشاب السوري حائراً على حافة المجهول منتظراً بصيص أملٍ ما، يعيد إليه شعوره بالاستقرار ويبعد هذا الخوف الذي يترصد به لدى كل خطوة جديدة في حياته.

 

كيف يرى الشباب مستقبلهم؟
تتباين وجهات نظر السوريين برؤية مستقبلهم تبعاً لظرفهم الحالي، وتبعاً لتغيرات الأوضاع العامة في البلد. فالبعض منهم، ولا سيّما أولئك الذين هم في عمرٍ أصغر، يحاولون الهرب من هذا السؤال الفادح على مبدأ «خلّي بكرا لبكرا» منطلقين من واقع عدم معرفتهم بما يمكن أن يحدث، وعدم الفائدة من التفكير بما هو مجهول، ولكن ما يلبث هؤلاء أن يصطدموا بواقعٍ أثقل من أن يستطيعوا معه عزل أنفسهم عن مسألة التفكير بالمستقبل.
والبعض الآخر، وهو جزءٌ هام من الشباب السوري، لا يرى خلاصاً سوى بالسفر إلى خارج البلاد، ورغم ذلك فالكثير منهم أيضاً يتخوف من المجهول الذي ينتظره في الخارج، إلّا أنه يرى أنه سيكون أخفّ وطأة من المجهول في بلده.
وجزء من هؤلاء أيضاً يفكرون بالسفر ولكنهم لا يستطيعون ذلك تبعاً لظروفهم الاقتصادية السيئة التي لا تسمح لهم بتأمين التكاليف اللازمة. ومع ذلك فإن عدداً لا بأس به من السوريين بدأوا يستشعرون قرب انتهاء الأزمة، منذ انحسار مساحة المعارك الجارية وانخفاض مستوى العنف إلى الحدود الدنيا، إلّا أن ذلك لم يخففّ عنهم همّ التفكير بالمستقبل. فالحياة الكريمة غير مؤمنةٍ لهم بعد.
قد يبدو هذا المشهد ضبابياً وباعثاً على التشاؤم، ولا سيّما بعد تعثّر مسار الحل السياسي أكثر من مرة، ولكن هل هذا يعني أنه ما من مستقبل للشباب السوري؟ وأن الحال سيبقى على ما هو عليه أو أنه سيزداد سوءاً؟
بتقديرنا أنه ليس من المستغرب ما يدور في أذهان السوريين، فالواقع الذي نعيشه رديء بطبيعة الحال، ولا يمكننا بناءً عليه تصوّر مستقبل أفضل لنا كشباب سوريّ، ولكن بنفس الوقت لا ينبغي لنا بناء تصوراتنا تبعاً للحظة سكونية وبمنظور ضيّق. فالواقع متحرّك ومتغير، كما أن بلدنا هي جزءٌ من عالمٍ أكبر تتأثر بما يحدث به من تغيّرات، الأساس فيها هو نقطتان؛ الأولى: تغيّر ميزان القوى الدولي لغير صالح قوى الحرب، والتراجع الأمريكي على المستويات كافة دليل واضح. والثانية هي: انفتاح الأفق أمام الشعوب لتقول كلمتها، وقد لا نحتاج لدليلٍ على ذلك، فموجات الاحتجاج العارمة التي يضجّ بها العالم، وصوت الشعوب وهي تنادي بحقوقها أعلى من أن يتم إخفاؤه، وإذا كانت الاحتجاجات في سورية في بدايات هذه الأزمة قد تعرضت لكثير من ظروف الضغط والتسييس وفق اتجاهات النخب الحاكمة والراغبة بالحكم في كل الأطراف! فإن الضغوط التي يتعرّض لها السوريون اليوم تمهّد لحلقة جديدة من الاحتجاجات تكون أكثر نضجاً من سابقاتها، وهذا ما يسمح به الوضع الدولي وتأثيره على مسار الحل السياسي، الذي سيهيئ الجو لتحويل المعارك العسكرية إلى معارك سياسية، عبر صراع قوى سياسية يكون سلاحها هو البرامج... بأبعادها المختلفة، برامج لبناء البلاد مجدداً، ويعطي هامشاً جيداً من الحريات السياسية تسمح بحدوث تغيرات جذرية على المستويات كافة، ونكرر دون ملل: التفاؤل موقف سياسي وأجمل الانتصارات هي التي لم تأت بعد.