هل فشل اتفاق سوتشي في إدلب؟
أبرز ما يمكننا سماعه اليوم لدى متابعتنا لنشرات الأخبار فيما يخص الأزمة في إدلب هو الحديث عن «فشل» الاتفاق الروسي- التركي الذي عُقد في سوتشي حول ما سمّي بـ «المنطقة منزوعة السلاح» فتارةً يوصف الاتفاق بـ «حبر على ورق» وتارة بـ «الاتفاق الواهن»، فهل يمكننا أن نقول عن هذا الاتفاق بأنه «فاشلٌ» حقّاً أو أنه أصبح في مهب الريح؟ وما مصير إدلب بعده؟
رشا النجار
فلنتذكر قليلاً ما كان يتم الترويج له إعلامياً في أعقاب حدوث أي تقدم في مسار الحل السياسي، فقد سمعنا كثيراً عن فشل مسارات «آستانا» و«جنيف» و«سوتشي» وعن عدم الجدوى منها لدرجة أنه في كثيرٍ من الأحيان جرى نعي هذه المسارات حتى قبل ولادتها، إلّا أنّ هذه الخيارات كانت تفرض نفسها دوماً في نهاية المطاف، وتثبت أنها كانت خيارات صحيحة رغم كل ما تتعرض له من معيقات. فمسار «أستانا» على سبيل المثال، والذي تعرّض لكمِّ هائلٍ من الحملات ضده، استطاع تخفيض حجم العنف وتقليص مساحات المعارك إلى الحد الأدنى عبر مناطق خفض التصعيد. وبالتالي وضمن هذا السياق فالحديث عن بث هذه الشُّحن السلبية اتجاه اتفاق سوتشي في إدلب ليس جديداً، والهدف من ذلك هو التشويش على مسار الحل السياسي.
بالطبع، لا يمكن لأحد أن ينكر وجود خروقات للاتفاق من قبل الجماعات المصنفة إرهابية، ولكن هذا لا يعني بحال من الأحوال فشله. فبالإضافة إلى أنّ هذا الاتفاق تم العمل عليه من أجل الابتعاد عن خيار الحلول العسكرية، وبالتالي حقن الدماء قدر الإمكان، فقد أعطى فرصة للجماعات المسلحة بالانفصال عن «جبهة النصرة» المصنّفة إرهابياً، وأجّل خيار حدوث معركة. وهذا ما أعربت عنه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بقولها: «بالرغم من النجاحات الفعلية في إقامة المنطقة منزوعة السلاح على طول حدود إدلب بموجب مذكرة سوتشي، من السابق لأوانه الحديث عن استكمال هذه العملية».
ما يمكن أن نسميه الفشل الجزئي بتطبيق الاتفاق بشكل كامل عسكرياً، لا يمنحنا الحق في نعيه واستخدامه كحلقة ضمن مسلسلات التفشيل الدارجة إعلامياً. فإنّ الوصول لهذا الاتفاق، واستمراره وتطويره يعتبر بحدّ ذاته نجاحاً، ولا سيّما أنه حقق هدفين أساسين بالمعنى السياسي، الأول هو: تعزيز العلاقات الروسية- التركية رغم الخلافات بينهما، والثاني: استمرار الجهود الحثيثة وتوجيهها نحو القضاء على «النصرة» نهائياً وبأسرع وقت. وفي الحالتين، فإن ما حدث يتعارض مع مصلحة الأمريكان في توتير العلاقات الروسية- التركية وإطالة إبقاء «النصرة» قدر الإمكان، وهذا ما يُفسّر السلوك التصعيدي لقوى الحرب والإرهاب في إدلب.
إذاً نستطيع القول: إن ما تعمل عليه وسائل الإعلام بهذا الخصوص هو تهويل هذه الانتهاكات وتحويلها إلى فشل الاتفاق بالكامل، على الرغم من أن الحديث كان يدور حول أن هذا الاتفاق بالأصل مؤقت، فالأتراك تعهدوا بالالتزام به، والروس أثنوا على الجهد التركي في ذلك، ولكن يبدو أن الأمور تعقّدت للحد الذي أصبح فيه احتمال قيام عمل عسكري في إدلب وارداً، ولا سيّما بعد تعنّت الجماعات الإرهابية المدعومة دولياً من الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ورفضها لاتفاق سوتشي، ولكن هذا العمل سيكون مشتركاً بين روسيا وتركيا، وليس شاملاً، كما أنه سيكون محدوداً وبؤرياً بحيث يستهدف الجماعات الإرهابية التي رفضت الاتفاق، وبالتالي يفتح المجال أمام انتهاء أزمة إدلب، وتوفير البيئة المناسبة لبدء العملية السياسية عبر تشكيل اللجنة الدستورية.