انطباعات شعبية عن الحل السياسي
بدأ الحديث عن حل الأزمة منذ اندلاعها، ومازال الحديث عنه مستمراً حتى اللحظة، ولكن بعيداً عن طاولات الحوار والمؤتمرات والاتفاقيات، سنحاول هنا عرض التصورات المبدئية التي يمكن رصدها من الشارع السوري عن رؤية الناس للحل، وموقفهم من الحل السياسي تحديداً.
تتباين مواقف السوريين السياسية حول رؤيتهم لحل الأزمة، وتتطور هذه المواقف وتتغير تبعاً لتغيرات الظروف. ولكن الجامع بينها كلّها هو إرادة هؤلاء بحل الأزمة والخلاص منها بأقل الخسائر الممكنة. فبعدما كان الفرز «مؤيداً- معارضاً» هو «الموضة» الدارجة في بدايات الأزمة في الـ 2011، وبعد تدوّل الأزمة وعسكرتها ووصولنا لمستوى (الكارثة الإنسانية)، أصبح التماهي بين هذين «الضدّين» كبيراً لدرجة يصعب الفصل بينهما بسهولة. فلم تعد مسألة تحديد الموقف السياسي لهما ضمن هذه الثنائية مهمّاً بالقدر الذي يهم السوريين الخلاص من هذه الأزمة، ربما تستطيع القول: إن مقولة عامة تسود لدى السوريين اليوم فحواها: «يا عمي، ماعاد بدنا شي، بس بدنا تخلص هالأزمة».
كيف يرى السوريون هذا الحل؟
عند طرح هذا السؤال على السوريين قد يجيبك أحدهم مستهزئاً: «عليك أن تسألني إن كنت أرى وجود حلّ أصلاً وبعدها أجيبك كيف أرى هذا الحل». ليس مستغرباً وجودُ هذا المزاج بين شرائح مختلفة، فبعد مضي ثماني سنوات أزمة، وحدوث سلسلة من العرقلات على طريق الحل، وتزايد أعداد ضحايا الأزمة بين مشردين ونازحين وشهداء و... إلخ، يجد السوريون أنفسهم في حلّ من أمرهم أمام هذا الواقع المأساوي، فيُخيّل إليهم بألّا حلّ لهذه الأزمة أو على الأقل «بدّا 50 سنة لتنحلّ» فقد ضاق السوريون ذرعاً بما آلت إليه أحوالهم على الصعد كافة.
إلّا أنّ وجود هذا المزاج لا ينفي تجاوره مع انطباعات أخرى، أحياناً لدى الأشخاص ذاتهم. فالسوريون أصبحوا يعلمون أن سورية، لم تصل إلى نقطة اللاعودة، وأن (تسوية) ما تقترب... ويأتي هذا تحديداً بعد انحسار المعارك في مناطق واسعة، وقرب انتهاء مجمل المظاهر المرتبطة بالعنف في الأزمة السورية. عدا عن الحديث في العام الحالي عن عودة اللاجئين، والمؤشرات العديدة حول مُدد الخدمة العسكرية وغيرها من الانفراجات التي خلقت بصيص أملٍ جديدٍ لديهم.
لا ينفي أحد أن (حلاً سياسياً) هو الحل الوحيد للازمة السورية، وأنه سيجري، ولكن يختلف السوريون فيما بينهم بالتصورات حول طبيعة هذا الحل. حيث تلعب وسائل الإعلام وما تحمله من مواقف سياسية في خلفيتها، دوراً كبيراً في توجيه الرأي العام الشعبي كلّ بما يخدّم مصالحه.
فالبعض يرى أن هذا الحل ليس سوى «اقتسام كعكة»، أو (صفقة دولية). والبعض الأخر يرى أن الحل سيكون انتصاراً لطرف على آخر، و(تسوية بروتوكولية) بعده، وعودة الأمور إلى نقطة الصفر سياسياً، وإلى مرحلة ما قبل الأزمة... وبالعموم يظهر موقف يجعل عموم السوريين، يشعرون أن التسوية السياسية في بلادهم، هي مسألة لا ترتبط بهم، ولن يكونوا فاعلين فيها، بل منفعلين فقط...
ولكن الجميع يدرك، أن المرحلة القادمة وتحديداً ما بعد انتهاء العنف والمعارك والمخاطر، ستكون مرحلة سياسية بامتياز... ويظهر هذا من الانطباعات التي تتحدث عن كم المشكلات، والاستحقاقات، الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي ظهرت خلال الأزمة، وستطفو على السطح بشكل كبير، وتتحول إلى أولويات بعدها. حيث لن يكون بمقدور أي طرف سياسي أن (يتلطى وراء المعارك). وستتحول الحاجات الملحّة للناس إلى وقائع، والحرمان العام، إلى وقائع ضاغطة، تجعل من غير الممكن أن يكون ما بعد الأزمة كما ما قبلها...
ولكن، إذا أردنا أن نكون دقيقين في تحديد المزاج الشعبي العام، فلا نستطيع أن نتعامل معه كمعطىً ثابت، فكما ذكرنا فإن هذا المزاج خاضع لجملة التغيرات التي تحدث هنا وهناك. وهو سيشهد انعطافة تدريجية، مع كل تجربة سياسية اجتماعية يخوضها السوريون.
إن من حق السوريين أن يشعروا بأن المسيرة طويلة، للوصول إلى أوضاع وبيئة يشعرون بها، بانتهاء الخطر، وتراجع الأزمة، وبداية السير للأمام. فانتهاء المعارك، هو بداية الطريق، نحو معركة سياسية واسعة، للوصول إلى حالة التغيير المطلوبة: التغيير الجذري والشامل... ذاك الذي يؤمِّنُ لكل سوري أن يشعر أنه قادر على بناء بلاده ودفعها للأمام. بلاداً يعمل لأجلها، فتعطيه: استقراراً ومعيشة وكرامة.