على أمريكا أن تخاف على جنودها في سورية
صرح المبعوث الأمريكي إلى سورية جيمس جيفري، أن بقاء الأمريكيين في سورية، لا يعني بالضرورة بقاء القوات على الأرض، بل يمكن أن يتم بأشكال أخرى... وقد أتى هذا في تصريحاته على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 27- 9- 2018.
وأتى تصريح جيفري هذا في معرض رده على ارتباط وجود القوات الأمريكية في سورية، بخروج القوات الإيرانية منها. حيث نفى هذا نظراً لحاجته إلى عمل عسكري، لا يريده أحد... مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستحاول عبر الضغوط السياسية.
تخشى الولايات المتحدة، أية مواجهة عسكرية مباشرة، تطال قواتها المتواجدة في سورية. فالانقسام الأمريكي الحاد يظهر في التباين والتضارب بالتصريحات، حول مسألة وجود القوات الأمريكية في سورية، وتوقيت انسحابها، ومهماتها.
المهمة المعلنة لهذه القوات المتواجدة في منطقة شرق الفرات، بحدود حوالي 2000 عنصر، وفي منطقة التنف بشكل أقل، ترتبط بالقضاء على داعش، بينما يتم الإبقاء على جيوب وفلول داعش الأخيرة على الحدود العراقية، في الريف الشرقي لدير الزور، وفي محيط البادية الجنوبية الشرقية حيث التنف. إبقاء يصل حدّ الحماية، بغرض التوظيف في اللحظة المناسبة.
بينما أشارت أطراف أمريكية إلى أن وجود القوات في سورية، يجب أن يرتبط بالتواجد الإيراني وبتحجيم دوره. ولكن هذا لا يحتاج إلى تصريحات جيفري، أو غيره من المسؤولين الأمريكيين، لتظهر مدى هشاشته. فالولايات المتحدة لن تكون قادرة على افتعال مواجهة عسكرية في تلك المنطقة، إذ أنها لا تضمن سلامة قواتها القليلة. ولا يستطيع أي طرف أمريكي أن يتحمل خسارة عسكرية في القوات، لأنها ستتحول في إطار الصراع السياسي داخل الولايات المتحدة، إلى خسارة كبرى للطرف الذي أبقى القوات، وماطل في انسحابها.
تريد الولايات المتحدة من بقاء القوات الأمريكية القليلة في سورية، أن يكون ورقة المماطلة الأخيرة... فمنطقة شرقي الفرات هي النقطة الأخيرة بعد إدلب، على خارطة ملفات التوتر الجغرافية والعسكرية في سورية. ولكن هذه الورقة الأخيرة من الصعب أن تلعب الولايات المتحدة بها كثيراً.
فهي أولاً: ليست محمية بغطاء قانوني دولي، إذا أن هذه القوات موجودة بشكل غير شرعي.
وثانياً: لا تستطيع الولايات المتحدة أن تفرض وجودها بالقوة، لأنها لا تستطيع أن تتحمل سياسياً، خسارات عسكرية ولو ضئيلة في المنطقة، وحول ملف متنازع عليه في الداخل الأمريكي، ويمكن استخدامه في تأجيج صراع طرفٍ ضد طرف آخر.
وثالثاً: لا تمتلك الولايات المتحدة باحة مناورة واسعة في هذا الملف، وطرفاً تنسق معه في هذه المسألة، إذ أن كل الأطراف المعنية الأخرى، لديها إطارات تنسيق مشتركة نجحت في حل ملفات عقد أخرى في سورية. فلا الروس، ولا الأتراك، ولا الإيرانيون، ولا الحكومة السورية تريد بقاء القوات الأمريكية، أو يمكن أن تتفاوض في هذا المجال. وهي بمجموعها تنسق مع بعضها البعض!
بينما الطرف الوحيد المتمسك بالوجود الأمريكي، هو قوات سورية الديمقراطية: على اعتبار أن الوجود العسكري الأمريكي يشكل رافعة سياسية لها. ولكن المفارقة أن هذا الطرف السوري يمتلك مجال مناورة أعلى من الطرف الأمريكي، إذ أنه قادر على الخروج من ورطة الارتباط بالأمريكيين غير المرغوبين في سورية، عبر الانخراط في مبادرات الحل السياسي الشامل، حتى لو كان الثمن خسارات سياسية للأطراف والقوى التي ربطت خطابها ومشروعها بالوجود الأمريكي.
على الولايات المتحدة أن تخاف على جنودها في سورية، لأن طي صفحة الإرهاب في إدلب، سيعني وضع خروج هذه القوات، كهدف مباشر، للراغبين بتسوية الأزمة السورية وحل عقدتها، وإطفاء نارها المتأججة. فإن كان المنتصرون سياسياً قادرين على تحمل خسارة عسكرية بل وقلب نتائجها لصالحهم كما في حادثة «إيل 20»، فإن أدنى خسارة عسكرية للمهزوم سياسياً قد تضاعف خسائره السياسية بشكل متسارع، حتى لو كانت بضعة جنود.