رجس الشيطان في بيان الإخوان
كعادتها في إيجاد العراقيل، ومع أي احتمال بالتقدم ولو خطوة واحدة باتجاه الحل السياسي للأزمة السورية، أعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» سحب ممثلها من اللجنة الدستورية لأن اللجنة، وحسب زعم الجماعة «لم تقم على أسس سليمة، فهي وليدة انحراف سياسي في القرارات الأممية» ولكن ومع هذا القرار وفي البيان ذاته تعلن الجماعة الانسحاب « سوف نبقى مع بقية الشركاء الوطنيين في الثورة والأصدقاء من أجل تحقيق أهداف وتطلعات الشعب السوري في جميع المسارات التي يمكننا التحرك فيها»
لا يخفى على أحد أن تطلعات الشعب السوري التي يتحدث عنها الإخوان في بيانهم، هي: البرنامج الإخواني ذاته باستلام السلطة، فهذه الجماعة لا ترى في الحل السياسي إلا استلاماً وتسليماً للسلطة، وهو ما يعني فعلياً: إعادة الوضع إلى المربع الأول، أي: دفن كل ذاك التراكم الذي حدث باتجاه الحل منذ بيان جنيف الأول.
من باب الجدل ليس إلّا، نقول: ربما إن مثل هذا الطرح من قبل الجماعة في بداية الأحداث كان يعتبر حقاً مشروعاً من الناحية الحقوقية– السياسية، ولكن اتجاه تطور الأحداث وموازين القوى على الأرض، يفرض على «المحفل الإخواني» أن يتراجع عن غيّه، وكونه يمثل «الأغلبية» لاسيما، وأن الجماعة وكل الهياكل التي أوجدتها أو ساهمت في تشكيلها، أو التي وقفت خلفها، سارت من تراجع إلى تراجع، ومن تخبط إلى آخر، وإن المشروع السياسي للجماعة وصل إلى طريق مسدود ليس في الأزمة السورية بل في عموم الدول التي شهدت حراكات شعبية وحاول الإخوان الاستثمار فيها.
السبب الحقيقي الكامن خلف انسحاب ممثل الجماعة «غير مأسوف عليه، وعليها» هو أن تشكيل اللجنة يعتبر تقدماً عملياً ملموساً في إطار الحل السياسيحد مظاهرها.
.لللل وإن «هيئة المفاوضات» قدمت قائمة بممثليها المقترحين، الأمر الذي يعني أنها خرجت عن طاعة الجماعة، وأن عملية فرز فيها أصبحت أمراً لا مفرَّ منه، وأن مواقع ووزن وأنصار الدفع باتجاه الحل بات أكبر من السابق، فكان قرار الانسحاب لعل وعسى تستطيع أن تعرقل التقدم وأن تخلط الأوراق في هيئة التفاوض مجدداً، بالتعاون مع بعض القوى الإقليمية، بما يمنع سير الهيئة بهذا الاتجاه، أو على الأقل تحسين مواقعها من خلال ابتزاز بعض القوى المترددة.
اللافت في بيان الانسحاب، هو تباكي الجماعة على القرار 2254 رغم موقفها الواضح منه، والزعم بأن اللجنة الدستورية هي اختزال لهذا القرار، رغم أن المبادرين إلى تشكيل اللجنة الدستورية، ورعاتها، والذين أعلنوا استعدادهم للانخراط فيها من قوى وشخصيات وانتهاء بالأمم المتحدة، كلهم يؤكدون: أن المرجع الأخير للحل هو القرار 2254، وأن ما عداه من مبادرات بما فيها لجنة الإصلاح الدستوري، هي مجرد مكملات ودواعم له
من الواضح أن الجماعة بموقفها الجديد- القديم، تحاول اللعب سواء كان بشكل مباشر أو مواربة، في ملعب التفاصيل الذي يكمن فيه الشيطان، فالمشكلة ليست في موقف الجماعة الرافض منذ «جمعة لا للحوار» للحل السياسي جملة وتفصيلاً، بل لأنه تم اختزال العملية السياسية بـ « تعديلات دستورية» كما يزعم البيان.