ترامب وأوروبا.. عندما يحمل الحليف معول الهدم!

ترامب وأوروبا.. عندما يحمل الحليف معول الهدم!

وصل الخلاف الأوروبي الأمريكي إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تمضي الإدارة الأمريكية في تدمير إرث من التحالف، لتتحول أمريكا من حليفة للأوروبيين إلى خصم لهم، لدرجة أن هنالك من يقول: ترامب لا يحمل شعار: أمريكا أولاً.. بل المال أولاً! في هذا السياق نشر موقع «DW) مقالاً للكاتب اسماعيل عزام بتاريخ 26/04/2018، حول المستوى الذي وصل إليه هذا الخلاف والملفات التي يدور حولها.
وتنشر قاسيون فيما يلي بعض الأفكار الواردة في المقال.

 

مؤخراً، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة إلى واشنطن للقاء نظيره الأمريكي دونالد ترامب، تبعتها زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وفق ما هو مقرّر. لم يحقق لقاء ماكرون وترامب نتائج كبيرة، خاصة على مستوى إطفاء نيران التوتر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهي النيران التي جعلت علاقة الطرفين تدخل نفقاً صعباً غير مسبوق.
ابتزاز الحليف
تعامل ترامب مع الاتحاد الأوروبي بمنطق المساومة في الاتفاقيات التجارية. فلأجل تجنيب أوروبا دفع مليارات الدولارات نظير رسوم جمركية على صادراتها المتجهة لأمريكا بنسبة 25% على الصلب و10% على الألومنيوم، طالب ترامب الاتحاد الأوروبي بإيقاف كل القيود التجارية المفروضة على المنتجات الأمريكية، وهو ما رد عليه الاتحاد بالتهديد بفرض رسوم مضادة جديدة على منتجات أمريكية معينة وبتقديم شكوى لمنظمة التجارة العالمية. ومضى التوتر أبعد عندما هدّد ترامب بفرض ضرائب على استيراد السيارات الأوروبية إلى بلاده.
ترامب، الذي فتح منذ صعوده إلى البيت الأبيض جبهات مع أغلب شركاء بلاده تحت شعار «أمريكا أولاً»، لم يخفِ انتقاداته للاتحاد الأوروبي عندما دعم القرار البريطاني بالخروج منه، متحدثاً عن أن دولاً أخرى ستتخذ المسلك ذاته. ويعدّ توتر العلاقة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي بالشكل الحالي غير مسبوق، إذ كانت واشنطن ترى أن مصلحتها هي في أوروبا موحدة وقوية، أولاً لمواجهة الاتحاد السوفييتي سابقاً في الحرب الباردة، ثم لأجل مشاركة قيم «الديمقراطية» والتعاون التجاري بعد انهيار جدار برلين، حسب ما يشير إليه تحليل لموقع «وورلد كرانش».
خلافات عميقة
انسحب ترامب من اتفاقية «باريس» الدولية للمناخ، وهي الاتفاقية التي كانت ثمرة جهود كبيرة قام بها سلفه باراك أوباما مع القوى الكبرى، كالاتحاد الأوروبي، نتج عنها توقيع جلّ دول العالم عليها. تلاه الخروج من الاتفاق النووي- الإيراني، مقوضاً بذلك محادثات استمرت لسنوات. وجاء قراره الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل مقر السفارة الأمريكية إليها ليزيد من الخلاف بينه وبين أوروبا، إذ اعتبر الاتحاد الأوروبي خطوة ترامب «ضربة لعملية السلام»، فضلاً عن خلافات واضحة في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، عندما طالب الرئيس الأمريكي الدول الأعضاء بسداد ديونها لبلاده.
ويقول غاي فيرهوفشتات، السياسي البلجيكي، في مقابلة مع موقع «نيو أتلانتيك» إن الأوروبيين كانوا دائماً يعتقدون أن أمريكا تقف إلى جانبهم في كل الملفات، لكن الوضع تغير مع دونالد ترامب. ويتحدث فيرهوفشتات، الذي تكفل بمناقشة ترتيبات «البريكسيت» مع بريطانيا بصفته عضواً في البرلمان الأوروبي، أنه للمرة الأولى في التاريخ يرغب رئيس أمريكي بانهيار الاتحاد الأوروبي.
يبحث عن الدول لا عن المنظمات
لكن سوء علاقة ترامب بالاتحاد الأوروبي لم يتكرر بالدرجة ذاتها مع أعضائه، ففي الوقت الذي رفعت واشنطن وبرلين سقف انتقاداتهما لبعضهما البعض، خرج ترامب ليصرّح أن فرنسا هي الحليف الأعظم لأمريكا، وهو تصريح يقفز حتى على بريطانيا، التي كانت تعتبر نفسها إلى وقت قريب الحليف الأبرز لأمريكا.
ويشير حسني عبيدي، مدير «مركز الأبحاث والدراسات حول العالم العربي ودول المتوسط»، إلى أن ترامب مُتقلب في اتجاهاته السياسية، لكنه يريد إيصال رسالة إلى العالم مفادها أنه لا يعتبر الاتحاد الأوربي شريكاً لبلاده، وأن أمريكا تفضل التعامل مع الدول كلاً على حدة وليس منظمة إقليمية واحدة. مضيفاً أن ترامب مقتنع بأن تكتل الأوروبيين داخل اتحادهم سيجعلهم أكثر قوة في مفاوضاتهم التجارية والاقتصادية، عكس ما سيكون عليه الحال لو جرى التفاوض مع كل دولة لوحدها، وهو ما تفهّمه ماكرون، الذي لم يقف كثيراً عند مؤسسة الاتحاد الأوروبي في محادثاته مع ترامب. كذلك فإن ترامب يتعامل بمنطق تجاري بحت قوامه الربح والخسارة، ولا يؤمن بشيء اسمه الحلفاء أو الأصدقاء. كما أنه لا يستهدف الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر في قضية رسوم الصلب والألومنيوم، بل يريد أن يجعل من هذا الاتحاد جزءاً من صراع بلاده الاقتصادي مع الصين، وهو ما يعيه كل من ماكرون وميركل، اللذان عملا على زيارة واشنطن لأجل تذويب الخلاف في أسرع وقت.
ملفات يستغلها ترامب
لم يكن ترامب ليستمر في مسعاه بتشتيت الاتحاد الأوربي لولا مشاكل كبيرة تعيشها أوروبا في السنوات الأخيرة، من أكبرها نمو حركات اليمين الشعبوي، التي ازدادت شعبيتها في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا وهولندا، بل وصلت قيادات هذا اليمين إلى الحكم كما جرى في المجر. وتتقاطع هذه الحركات مع ترامب في المناداة بالخروج من الاتحاد الأوروبي. ملف الهجرة كذلك يؤرق القادة الأوروبيين، خاصة مع تدفق المهاجرين واللاجئين خلال السنوات الأخيرة، دون نسيان ملف الإرهاب الذي عانت منه القارة مؤخراًّ، بينما كانت أمريكا أكثر صموداً.
ويؤكد حسني عبيدي أن الاتحاد الأوروبي لم يستطع أن يفرض نفسه كمحاور قوي أمام الولايات المتحدة، والسبب هنا لا يعود فقط لخطط ترامب، بل كذلك لعدم وجود رغبة قوية لدى القادة الأوربيين بالدفاع عن مصالح منظمتهم الإقليمية، بالشكل الذي يدافعون به عن مصالح بلدانهم، وهو «ما يستغله ترامب الذي يسعى إلى خلق فتنة داخل الاتحاد بتقويض حتى العلاقات التجارية بين أعضائه، كمحاولته دفع دول أوروبية إلى التوجه إلى السوق الأمريكي لشراء الأسلحة بدل أسواق دول أوروبية».
وبحسب، غاي فيرهوفشتات، فإنه لا يوجد حل أمام الأوروبيين للبقاء أقوياء أمام العالم سوى بالتكتل، وهو يرى بأن الاتحاد الأوروبي سيكون محكوماً عليه بالفشل إذا لم تعمل دوله الأعضاء على اندماج أكبر. صحيح أن الوضعية الحالية غاية في الصعوبة بالنسبة لأوروبا، لكن فيرهوفشتات يبقي الأمل، إذ يشير إلى أن كل استطلاعات الرأي في الدول الأوروبية بعد البريكسيت البريطاني تظهر رغبة قوية بالاستمرار داخل الاتحاد الأوروبي.
لذلك يطالب فيرهوفشتات دول الاتحاد ببذل مجهودات أكبر لإصلاح مؤسسات اتحادهم، وبتحقيق تعاون أكبر في المجال الأمني عبر خلق آليات مشتركة للعمل الاستخباراتي تكون بمثل فعالية الأجهزة الأمريكية. كما عليهم استغلال فرصة تصريحات ترامب حتى يقنعوا الشعب الأمريكي والمؤسسات السياسية الأمريكية بأهمية استمرار أوروبا موحدة ومندمجة، ليس فقط لصالح أوروبا، بل لصالح الولايات المتحدة كذلك.