تعلموا من كوريا!
قبل ثلاثة أشهر، كانت شبه الجزيرة الكورية قاب قوسين أو أدنى من اندلاع الحرب، واستنفرت الماكنة الاعلامية الغربية، وهدد البيت الأبيض بمحو هذه «الدولة المارقة» من الخريطة، واتجهت البوارج إلى هناك.. أما الآن، فاختلف المشهد رأساً على عقب، والتقى رئيسا الكوريتين، وتحدد موعد لقاء بين الرئيس الأمريكي، مع الرئيس الكوري الشمالي.. فما الذي استجد، حتى حصل هذا التبدل المفاجئ والمتسارع، في سلوك من كان إصبعه على الزر النووي؟
لاشك أن التراجع الأمريكي في هذه الساحة، وإبعاد شبح الحرب، هو في المحصلة انعكاس لميزان القوى الدولي الجديد، وقدرة القوى الصاعدة على تأريض محاولات قوى الحرب الساعية إلى تفجير الأوضاع، ولكن المسألة في الحالة الكورية لا تقف عند هذه الحدود فحسب، على الأقل من جهة تسارع العملية، فإذا كان الثابت هو عجز الولايات المتحدة عن الاستفراد بالقرار الدولي كما كان الوضع في المرحلة السابقة، فإن سرعة إنجاز هذه العملية ضمن الظرف الملموس تتعلق أيضاً، بدور العوامل المحلية والإقليمية الخاصة بكل بؤرة توتر، وفي الحالة الكورية، جاء التفاهم الروسي الياباني خلال السنة الفائتة، وكذلك قدرة الصين على إيجاد علاقات متوازنة مع الكوريتين، ودخول روسيا على خط التوتر المفترض بين الصين والهند، إن كل ذلك ساهم بخلق المناخ الإقليمي الذي يدفع باتجاه دفع الأمور نحو التسوية بدلاً من حماقات المواجهة.
يعلمنا الدرس الكوري، بأن التطابق بين العام_ وهو هنا ميزان القوى الدولي_ والخاص_ وهو استعداد الكوريتين لحل قضايا الخلاف عبر التفاوض_ يحقق نتائج أسرع، أي: أن توفير المناخ المحلي والإقليمي لحل بؤر التوتر، يسرع بإظهار مفاعيل ومنطق ميزان القوى الدولي الجديد في الظرف الملموس، ويوفر الكثير الكثير، على عكس ما حصل في العديد من بؤر التوتر، ومنها: سورية، وفي الوقت نفسه، فإن تهدئة الأجواء في أية نقطة ساخنة يعزز ويثبت اتجاه تطور الوضع الدولي أكثر فأكثر، لصالح القوى الدولية الصاعدة، فأغلب النتائج التي تحققها قوى الحرب، تكون من خلال التسلل من شقوق الصراعات البينية، وهو ما يجب أن يعتبر درساً، لكل القوى الحية في الساحات المتأزمة، بضرورة الإسراع في التوجه إلى الحلول السياسية، والتفاوض، وقطع الطريق على قوى العدوان.