الكيماوي من جديد
استيقظ العالم صباح اليوم الأحد على حملة دعائية واسعة جديدة حول استخدام السلاح الكيماوي، بعد أن كانت مشكلة الغوطة على وشك الانتهاء، على أثر استعادة مساحات واسعة منها إلى سلطة الدولة السورية، وفي الوقت الذي كان التفاوض مستمراً حول استكمال العملية بحيث تشمل مدينة دوما بموجب اتفاق مبرم برعاية الطرف الروسي.
لقد كانت تهمة استخدام السلاح الكيماوي منذ بداية الأزمة، إحدى الأدوات الأمريكية - الغربية لممارسة المزيد من الضغوط في الميدان السوري، بغية الحصول على مكاسب جديدة، وانتهت تلك الحملات عموماً بضربات موضعية، أقرب إلى الاستعراض منها إلى العمل العسكري الجدي، أو على الأقل دون أن ترتقي إلى مستوى الحملات الإعلامية، مما يعني أن لها وظيفة أخرى غير طابعها العسكري العدواني المدان بكل الأحوال، وبالدرجة الأولى، وظيفة سياسية، وأداة ابتزاز تستهدف قبل كل شيء العملية السياسية وتحاول منع تقدمها.
وبغض النظر عن جدية احتمال العدوان، ووظيفته العسكرية المباشرة، بعد التهديدات الوقحة التي أطلقها الرئيس الأمريكي، فإن هذه الحملة الجديدة على الأرجح، هي رد على التطور النوعي الذي حصل في سياق الأزمة السورية، من خلال إنهاء الوجود المسلح في غوطة دمشق، ومحاولة لمنع تحويله إلى دافع لتقدم العملية السياسية إلى الأمام، وبعد اجتماع الترويكا « الروسية الإيرانية التركية» وتأكيدها مجدداً على أولوية الحل السياسي، وسعيها إلى تفعيل اللجنة الدستورية التي كانت من مخرجات مؤتمر الحوار السوري في سوتشي، مما يعني أن الوضع يتجه إلى استمرار تراجع الدور الأمريكي في الأزمة السورية، الذي يمر بمأزق جديد عصي على الحل حتى في الشمال السوري، وفي ظل الوجود العسكري الأمريكي المباشر، الذي يقف أمام خيارين أحلاهما مر بالنسبة إلى الاستراتيجية الأمريكية، استراتيجية استدامة الاشتباك.
وبالنظر إلى المواقف والتصريحات المتناقضة لأقطاب الإدارة الأمريكية، خلال الشهر الفائت فقط، ما بين بقاء أو انسحاب القوات الأمريكية من سورية، يمكن القول، بأن الحملة الكيماوية الإعلامية الراهنة، والتهديد بتوجيه ضربات عسكرية، هي في جانب منها أحد مفاعيل الانقسام الحاد في الإدارة الأمريكية، وأحد أشكال تصدير الأزمة إلى الخارج.
وبكل الأحوال، سواء نفذت قوى الحرب في الإدارة الأمريكية، تهديداتها أم لم تنفذ، فإن الثابت، وبحكم التوازن الدولي الجديد، إن واشنطن تمضي إلى المزيد من الانكفاء والتراجع.
وكما اكدنا مراراً، نؤكد اليوم أن الرد على العربدة الأمريكية ،والنفاق الأمريكي، والاحتلال الأمريكي في العديد من المناطق السورية، وكل أشكال الوجود الأجنبي الأخرى، يكمن بالإسراع بالحل السياسي للأزمة السورية، وفق القرار 2254، والإسراع بتشكيل اللجنة الدستورية، واستئناف مفاوضات جنيف، أما استمرار الأزمة، فيهيئ الأجواء لاستمرار العدوانية الأمريكية، ويوفر لها الذرائع للإقدام على أعمال عدوانية جديدة.