ضمانة وحدة سورية
بدأ الخطر على وحدة سورية فعلياً، مع بدء الصراع المسلح في البلاد، على أساس ثنائية «الحسم والاسقاط»، وتفاقمت هذه المخاطر طرداً مع تعمق الصراع، فكلما توسع الصراع البيني تهيأت البيئة المناسبة أكثر فأكثر، لظهور عناصر طارئة في الميدان السوري كالإرهاب التكفيري الذي كان يعتبر أحد أهم أدوات التقسيم، من حيث بنيته، وتموضعه، ومشغليه من جهة، ومن حيث كونه أصبح فزاعة أدت إلى إحياء كل البنى التقليدية في ظل القلق الوجودي الذي انتاب الجميع، وانفلات ظاهرة السلاح إثر ذلك، خصوصاً مع تراجع سلطة الدولة، ودورها على مساحات واسعة من الأراضي السورية، وتحول الصراع بين السوريين، على آفاق تطور سورية، ونظامها السياسي، إلى صراع دولي وإقليمي على الأرض السورية، وإلى ما يشبه تقاسم النفوذ بين تلك الدول، بغض النظر عن نوايا واستراتيجيات كل واحدة منها.
ومع اندحار الإرهاب الداعشي، و تراجع دور غيره من المنظمات الإرهابية على الأرض السورية بعد الدخول الروسي المباشر، تم عملياً إقصاء أهم حوامل الفوضى الخلاقة، دون أن يلغي ذلك استمرار مخاطر ومحاولات التقسيم بسبب استمرار التدخل الخارجي ، وخصوصاً تدخل تلك الدول التي تعتبر أدوات الاستراتيجية الأمريكية، والتي تسعى إلى الإبقاء على الأمر الواقع الراهن، وشرعنته بشتى الطرق والأساليب، وجاء التخادم التركي – الأمريكي مؤخراً في مسألة عفرين عبر الاشتغال على الفالق القومي، والاستثمار اللاأخلاقي في المسألة الكردية في سورية، أحد أشكال هذه المحاولات، التي كلفت أبناء عفرين عمليات نزوح واسعة، وتدميراً في الممتلكات والبنى التحتية، وأشاعت قلقاً وترقباً في عموم الشمال السوري، وفي هذا السياق، فإن الحرص على وحدة سورية، ليست مجرد مادة دعائية إعلامية، تستخدم عند اللزوم، بل هي إجراءات ملموسة، ومواقف عملية، تتطلب بالدرجة الأولى الخروج من متاهة التجاذب الإقليمي والدولي، ومقاومة الاحتلال التركي، بكل الأشكال، وإعادة كل المناطق إلى كنف الدولة السورية، بغض النظر عن الموقف من النظام السياسي، والسعي المشروع إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، الذي يجب أن يؤمن حقوق كل السوريين.
وعموماً، فإن الحفاظ على وحدة سورية يتطلب الإقلاع نهائياً، عن أوهام الحسم ومحاولات إعادة الأوضاع إلى ما قبل آذار 2011، لابل إن فتح أفق التغيير عملياً، هو المدخل الوحيد للحفاظ على وحدة البلاد، واستعادة السيادة الوطنية، والقضاء نهائياً على الإرهاب، و يتطلب أيضاً، الكف عن أوهام استجلاب التدخل الخارجي، فالمعادل المنطقي الوحيد للتدخل العسكري الخارجي هو التقسيم، وفي هذا التدخل تحديداً يكمن مقتل أية عملية تغيير حقيقية لصالح الشعب السوري، وبعبارة أخرى فإن الموقف الحقيقي من وحدة البلاد، يكمن بالدرجة الأساسية في الموقف من الحل السياسي التوافقي على أساس القرار 2254، وعليه، فإن كل إعاقة لمسار الحل السياسي، ومنها عدم تنفيذ مخرجات سوتشي تصب في خدمة محاولات التقسيم، باعتبار أن هذا الحل هو الضمانة الوحيدة للحفاظ على وحدة البلاد.