عن متاهة اللحظة، والافق المفتوح

عن متاهة اللحظة، والافق المفتوح

على إثر توتر الوضع العالمي في الآونة الأخيرة في العديد من الملفات الدولية، بدا المشهد وكأننا في متاهة، فما أن ينفتح الباب على واقع جديد، حتى يغلق، فيسارع البعض إلى التسليم بالأمر الواقع، استناداً إلى ما هو ظاهر في هذا المشهد، ويبني مواقفه على هذا الأساس، وذلك استمراراً للخطاب التقليدي السائد، الغارق في متاهة الموقف اليومي الذي يظل يلهث وراء الحدث، مستنداً فقط إلى ما تجود به وسائل الإعلام من سمّ.

 

 كتبت الـ « واشنطن بوست» قبل أيام « إن الولايات المتحدة تملك القوة العسكرية الأكبر، لكنها لا تعرف ما الذي تريده سياسياً».
ولمن لا يعرف، فإن هذه الصحيفة هي المنبر الإعلامي الأكثر قرباً، من دوائر صنع القرار الأمريكي، وتحديداً قوى الحرب في الإدارة الأمريكية، ونشر مثل هذا التوصيف في الواشنطن بوست، يعكس إلى حد كبير واقع حال «أقوى دولة في العالم» ويفسر إلى حد ما، المفارقة الواضحة بين القدرة على العربدة العسكرية، وتراجع الوزن والدور السياسي الأمريكي المستمر منذ سنوات في الكثير من الملفات الدولية.
ما بين سطور واشنطن بوست
كما هو معروف، استمدت الولايات المتحدة، هيمنتها على القرار الدولي منذ عقود من خلال تحكمها بالسوق المالية، والمؤسسات الاقتصادية الدولية، وحققت ريعاً خيالياً، بعد تحويل الدولار إلى سلعة، واستطاعت توظيف الفائض النقدي، لإحداث خلل هائل في توازن القوة العسكرية، واليوم في ظل حسم الدول الصاعدة معركة هيمنة الدولار، ودنو أجله، عبر البحث عن عملة بديلة، وتحديد آجال زمنية قريبة لتنفيذ ذلك، وبما تمتلك هذه الدول من سوق واسعة، ومستوى استهلاك عالٍ، ومواد خام، أي: في ظل توفر العامل الموضوعي والإرادة السياسية للانفكاك النهائي من التبعية، فإن معركة الهيمنة النقدية باتت محسومة لصالحها عملياً، ولأن حسم هذه المعركة يعني التأثير المباشر على جميع الملفات الأخرى، وأدوات الهيمنة الأخرى جميعها, تخرج كل العفاريت الأمريكية العسكرية والإعلامية من أوكارها، وكأن الساعة حانت، وأن الولايات المتحدة ما زالت تستطيع أن تنهي وتأمر، والحقيقة، أنه كلما ازدادت العربدة العسكرية الأمريكية، فذلك يعني بأن الأداة الأساسية للهيمنة أي: الدولار مهددة أكثر، العلاقة بين توتير الأوضاع وبين التراجع علاقة طردية... وعلى هذا الأساس فإن القدرة على توتير الوضع الدولي والتلويح بالحرب ليست دليل قوة كما يتوهم أو يتمنى البعض، بل هي مؤشر على قرب المعركة الحاسمة في التوازن الدولي، معركة طرد الدولار من أسواق واسعة، مما يعني انهياره الحتمي.
استراتيجية استدامة الاشتباك.
في ظل التراجع والعجز في المعارك الاستراتيجية، لم يعد لدى واشنطن، في سياق تأخير الانهيار سوى الاستفادة من الوقت، وفرط القوى العسكرية لديها من جهة، ومن جهة أخرى وربما الأخطر كونها غير ملحوظة مثل العامل الاول، استغلال ضعف الآخرين، فعدا عن التبعية المزمنة للدول الطرفية مالياً، واقتصادياً، وفقدان القرار الاقتصادي والمالي، فإن ما أنتجته هذه التبعية من بنى هشة سهلة الاختراق، يشكل اليوم احتياطياً هاماً للإمبراطورية المتفسخة قيد الانهيار، بمعنى آخر: إن جانباً هاماً من القدرات الأمريكية الآنية مستمدة من ضعف الآخرين، لا من قوتها هي، لاسيما وأنها استطاعت من خلال هشاشة هذه البنى، واستغلال النزوع إلى السلطة واستجرار مختلف القوى إلى ملعب العنف، الذي يعتبر ملعباً أمريكياً بامتياز، حيث تبدع فيه، أيّما إبداع، وتعتبر البيئة الأنسب لترويج وتسويق مشروع الفوضى الخلاقة، ومن هنا كان التأكيد دائماً، بأن الرد الواقعي على أية عربدة أمريكية عابرة، والاستراتيجية الأمريكية عموماً، تكمن في الحل السياسي للأزمات، ولهذا بالضبط بات الحل السياسي للأزمة السورية مهمة وطنية أولى تختزل كل المهام الاخرى، بدءً من معركة استعادة السيادة، والحفاظ على وحدة الدولة السورية، وإنهاء الوجود العسكري الأجنبي، وانتهاءً بمعركة التغيير. 

آخر تعديل على الجمعة, 02 آذار/مارس 2018 13:55