بعبع سوتشي

بعبع سوتشي

تعددت أشكال العرقلة لمسار الحل السياسي للأزمة السورية، وتنوعت أشكال التجاذب حولها، تبعاً لمستوى تطور العملية وتقدمها و اقترابها من الوصول إلى نهايتها المنطقية

آخر أشكال العرقلة تتجلى من خلال الجدل الدائر حول سوتشي ودوره، ومحاولة افتعال تعارض بين مساري سوتشي، وجنيف، رغم أنهما مساران متكاملان، ومتخادمان موضوعياً وواقعياً، فمع إعلان الترويكا «روسيا - ايران - تركية» عن الموعد الأولي لمؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، حتى سارع متشددو الرياض، إلى رفع لواء 2254 ، رغم أن التشكيك بالقرار، أو تأويله الخاطئ على الأقل، كانت السمة الأبرز لخطابهم فيما مضى، بمعنى آخر، إن مجرد الإعلان عن سوتشي أعطى زخماً لمسار جنيف، واعاد الاعتبار لجنيف، هذا بالإضافة إلى أن صاحب الفكرة، وراعي العملية الأساس، أي الطرف الروسي يؤكد باستمرار على مرجعية جنيف والقرار 2254.

وعلى كل حال، فإن الرغبة الجدية بالوصول إلى حل سياسي للمأساة السورية، لا يقتصر على الاكتفاء بالكلام عنها، وتنظيم حملات دعائية، توتر الأوضاع أكثر فأكثر، بل يجب أن تنعكس هذه الرغبة في الاستفادة من كل جهد دولي، ومنها سوتشي، وليس البحث في الشكليات، واختلاق الذرائع، للتهرب من هذا الاستحقاق القادم بلاشك، وكون مهمة سوتشي هي وضع الإطار الدستوري للتغييرات اللاحقة، فأن ذلك ليس خارج منطق ومحتوى القرار 2254، بل على العكس تماماً، يعتبر اختصاراً للزمن بكل ما يعنيه، كونه محطة على طريق المرحلة الانتقالية، التي سينظمها هذا القرار، بما فيه الاتفاق على ماهية الجسم الانتقالي، و بنيته، وكيفية تحديد ونقل الصلاحيات الكافية لتنفيذ القرار المذكور، وتمكين السوريين حتى يقرروا مصيرهم بأنفسهم. 

ولا يظنن أحد، بأنه بالإمكان الالتفاف على القرار 2254 من خلال سوتشي، وتحويله إلى منصة لتجاهل القرار، وخريطة الطريق الوحيدة للحل، وفي الوقت نفسه، لا يظنن أحد بأن مشروعه الانقلابي يمكن أن ينجح في جنيف، أو سوتشي أو أي مكان آخر.. فالأصل في أي حل واقعي ضمن ظروف الأزمة السورية، وتوازن القوى الداخلي والإقليمي والمحلي، هو التوافق، والإطار الوحيد المتوافق عليه هو القرار العتيد، أي أن الجميع محكوم به، وكما هو، دون تفسيرات واجتهادات لامعنى لها، سوى إضاعة المزيد من الوقت.

إن المسار الصعب الذي مرت به العملية السياسية ودفعها إلى الأمام، وفرضها كخيار كوحيد على جميع الأفرقاء، رغم جميع التشابكات الدولية والإقليمية، يؤكد حقيقة يجب ألا تغيب عن ذهن أحد، وهي أن هذا المسار بمحطاته العديدة، وجد لينتصر، وأن ترجمته على أرض الواقع، مسألة وقت لا أكثر، ومن أراد السير بهذا الاتجاه، فإن الابواب كلها مفتوحة سواء كان في «جنيف أو استانا أو سوتشي» وكل الطرق تؤدي الى الحل السياسي.