استعصاء عابر المسار مستمر
رغم الأجواء السلبية التي سبقت وتخللت جولة جنيف الثامنة بشوطيها الأول والثاني، إلا أن انعقاد الجولة بحد ذاتها، رغم الصعوبات التي برزت، والموعد الأولي الذي تحدد للجولة القادمة، كما ورد في المؤتمر الصحفي الختامي للمبعوث الدولي، يعتبر دليلاً إضافياً، بأن خيار الحل السياسي، بات خياراً ثابتاً، لا رجعة عنه، ولا يستطيع أحد تجاهله، ورفضه.
ولكن بالمقابل، فإن ثبات هذا الخيار، وتقدمه البطيء، لاينفي وجود حالة استعصاء، في مسار العملية السياسية، كما ظهر من خلال مراوحة الجولة الثامنة في المكان، وهي الجولة التي كان يؤمل منها الكثير، ومن هنا، فإن المهمة الأولى اليوم، تكمن في فك هذا الاستعصاء المستحدث عند خط النهاية، والذي كان نتيجة لـ«الهِبة» المجانية التي قدمها متشددو منصة الرياض للوفد الحكومي، من خلال الإصرار على تضمين البيان الختامي لاجتماعات الرياض شرطاً مسبقاً، يعبر عن موقف ملتبس لامعنى له، بعد التحولات الكبرى التي جرت في المواقف الدولية والإقليمية، و أيضاً في ظل صمت غير مفهوم للمبعوث الدولي، إزاء مخرجات ذاك الاجتماع، حيث لم يقم بالدور المطلوب منه في حينه لتجنب وضع هذا اللغم على طريق العملية السياسية.
إن مسؤولية الطرفين، تكمن في السعي الخاطىء إلى تحويل منبر جنيف إلى ساحة حرب، إعلامياً وتفاوضياً، وميداناً لانتصار طرف على طرف، على عكس ما يتطلبه واقع الحال، الذي يفترض العمل بمنطق التوافق، والتحدث بلغة التوافق، والترفع عن ردود الأفعال، واقتناص الفرص من الطرف الآخر، لعرقلة الحل، لاسيما، وأن الجميع يعلن التزامه بالحل السياسي، وقرار مجلس الأمن 2254، فلا معنى للقبول بالقرار دون العمل بهذا المنطق، لأن القرار نصاً وروحاً مبني على التوافق، ولأن مبدأ التوافق بحد ذاته، يعني القبول بالآخر، والسماع إليه، والاشتباك معه، عندما يتطلب الأمر، و في الوقت نفسه، يعني الاستعداد لتقديم تنازلات، والحصول على تنازلات من الطرف الآخر، وإن كانت هذه التنازلات مؤلمة، وقاسية، و من الضرورة بمكان ايضاً، تجنب الخطاب الاستعلائي، الإقصائي، والشعارات اللاواقعية، التي تغطي على أي تقدم، انطلاقاً من أن المنتصر في النهاية من خلال الحل السياسي، هي سورية، والشعب السوري، وليس هذا الطرف أو ذاك.
وعلى كل حال، ليس من المسموح تحويل جنيف، إلى سياحة سياسية، واستعراض إعلامي، بل هو منبر الحل السياسي التفاوضي التوافقي، وهذا المنبر وجد ليؤدي وظيفة محددة، وكما أزيلت العراقيل السابقة كلها، فإن كسر الاستعصاء الراهن، بالاستفادة من كل التقدم والتراكم، الذي حدث خلال الفترة الماضية، وإجراء مفاوضات مباشرة، وتحويل القرار الدولي الى وقائع ملموسة على الأرض، هي مسألة وقت، لا أكثر ولا أقل، وإن كان وقتاً غالياً على السوريين، كل السوريين، موالاة ومعارضة.