مسار أساسي ومسارات داعمة
حرك إعلان روسيا الاتحادية احتمال انعقاد مؤتمر «الحوار الوطني السوري»، مياه جنيف الراكدة، واستنفرت القوى المتشددة في جماعة الرياض، تشكيكاً، وتشهيراً بالمؤتمر حتى قبل أن تتوضح طبيعته، ووظيفته، ومعالمه النهائية ..
منذ بدء الأزمة، لم يكن لدى معسكر الحرب، سوى الإمعان في الخيار العسكري، وتحويل الأزمة إلى مفرخة لاستيلاد الجماعات المسلحة، وتوسيع دائرة العمل المسلح، أما الطرف الروسي، فقدم المبادرة تلو الأخرى للوصول إلى حل، ويلاحظ المتابع، أن أبرز سمات سلوك الطرف الروسي في الأزمة السورية، هي قدرته على إيجاد الحلول الإبداعية، لمختلف العراقيل التي ظهرت منذ أن أصبح هذا الطرف لاعباً أساسياً في الميدان السوري، وإذا كان هدفه ثابتاً، وواضحاً ومعلناً، «الحل السياسي التوافقي» فإن أدواته تطورت على الدوام تبعاً لضرورات اللحظة، وسلوك القوى الأخرى، وجديتها، وموقعها في الصراع الدائر، حيث جمعت روسيا بين العمل العسكري ضد قوى الإرهاب المتفق عليها دولياً، بما يعني تحييد القوى المعتدلة، وفتح المجال لها للانخراط في العملية السياسية، وبين السياسي والدبلوماسي في تهيئة الاجواء للحوار بين النظام والمعارضة، من خلال مفاوضات جنيف، فكان بيان جنيف، وكانت جولاته المتلاحقة، وكان مسار استانا، ويأتي اليوم مؤتمر الحوار الوطني السوري، كل ذلك بما يخدم الهدف الأساسي، ألا وهو الحل السياسي المنشود.
إذاً، الثابت هو الحل السياسي، باعتباره ضرورة، وحلاً وحيداً، أما أدواته قد تتغير، والإطار الثابت هو 2254 باعتباره قراراً دولياً متوافقاً عليه، يكتسب أهميته من توافقه مع مصالح الشعب السوري، ومن الشرعية الدولية، أما طرائق الدفع باتجاهه، فهناك ألف طريقة، وطريقة، تحشر قوى الاعاقة كلها في زاوية ضيقة، وتضعها أمام الأمر الواقع، ولا يحاولنّ أحد بعد الآن إغلاق الباب على الحل السياسي، مباشرة أو مواربة، أو التفافاً، أو تمييعاً، أو تأجيلاً.. فهناك اليوم مناطق خفض التوتر، وقوى واسعة على الأرض، تستمد شرعيتها من تمثيلها الملموس للسوريين هناك، ينبغي أن تمثل، وهي ليست بحاجة، إلى شهادة من أحد، لا الائتلاف ولا سواه، ولا يحاولن أحد احتكار تمثيل الشعب السوري، والنطق باسمه، ولعل هذه أولى مهام مؤتمر الحوار المزمع انعقاده.
ضمن هذا السياق يجب قراءة المبادرة الأخيرة، فلا هي مسار بديل، ولا هي تراجع عن 2254، بل إنذار مبكر، ما قبل جولة جنيف الآتية، لكل من تسول له نفسه، اللعب على الوقت، وإطالة عمر الأزمة أكثر فأكثر، بل هي تطوير للمبادرات السابقة، وأداة لمدها بالمزيد من الزخم، للإسراع بالحل السياسي، والوصول إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل.
ليس أمام السوريين، وحلفائهم، ترف انتظار المعرقلين، وتخبطهم، وخلافاتهم، وترددهم، وليس أمامهم المزيد من الوقت، حتى يخضعوا لمصالح ضيقة، ولا أخلاقية لبضعة سياسيين، ليس في جعبتهم إلا الدعم الدولي، والإقليمي الذي يتآكل يوماً بعد يوم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 835