كيف نواجه التدخل الخارجي!
بعد أن أوشك قطار العملية السياسية على الانطلاق، عاد إلى التداول مجدداً مفهوم التدخل الخارجي والموقف منه، وبمتابعة بسيطة يتبين بأن متشددي الطرفين، يحاولون إخضاع هذه الفكرة وتفسيرها وفق أجندتهم السياسية، ومشروعهم في التعاطي مع ظروف الأزمة، لدرجة أنه بات «حمّال أوجه»، وينطوي على أكثر من معنى، حيث يرى البعض حتى في القرار الدولي 2254 شكلاً من أشكال التدخل الخارجي، ويفسر السعي إلى استئناف مفاوضات جنيف قبولاً بهذا التدخل...!
نماذج التدخل الخارجي
ظهر خلال العقدين السابقين، وبشكل واضح نموذجان من النفوذ الأجنبي في البلاد:
النموذج الاول: والذي يمكن أن نسميه بالنموذج البارد، من خلال تطبيق السياسات الليبرالية، وفتح الباب دخولاً وخروجاً على مصراعيه أمام الرأسمال «النقدي والبضاعي» العربي والدولي كي يصول ويجول دون حسيب ورقيب، وفق امتيازات وإعفاءات وتسهيلات واسعة، بالتوازي مع ضرب الإنتاج الوطني بشكل ممنهج، وكلنا يتذكر مشاهد إزالة الحواجز على المعابر الحدودية بين تركية وسورية على سبيل المثال لا الحصر، وصولاً إلى السماح للمستثمرين بالتملك، قصور «الست موزة» مثالاً، بالإضافة إلى تسهيل عمل ما يسمى المنظمات الدولية، في القطاعات الثقافية والاجتماعية والدينية، ورغم التحذير المستمر من نتائج هذه السياسات على الأمن الوطني والاجتماعي، استمر النظام بها.
النموذج الثاني: بعد 2011 أخذ شكلاً سافراً، سواء بمحاولات التدخل العسكري المباشر، والتهديدات الأمريكية، والغربية عموماً، وتكرار النموذج العراقي والليبي، أو بدعم وتمويل الجماعات الإرهابية التي فعلت ما فعلت، كان قسم من المعارضة السورية داعياً وداعماً له، وبعد أن تبين بالملموس أن هذا التدخل عاجز عن حسم المعركة، لصالح المعارضة المسلحة، بدأ اللوم والعتب وتأنيب «الحلفاء»، ومع استمرار محاولات الحسم والإسقاط على مدى هذه السنوات، تم تدويل الأزمة السورية، بحيث بات العامل الخارجي، عنصراً أساسياً في المعادلة السورية، حتى لم يعد بالإمكان حلها موضوعياً، دون أخذ دور هذا العنصر بعين الاعتبار أو تحييده على الأقل.
التدخل الخارجي والقرار 2254
إن اعتبار القرار 2254 شكلاً من أشكال التدخل الخارجي، تفنده جملة وقائع، بالرغم من أنه يأخذ هذا الشكل:
إن هذا القرار تبلور وظهر وأقر في ظل توازن دولي جديد، سمته الأبرز: صعود دور كل من « روسيا والصين»، وهو بهذا المعنى إجهاض للتدخل الخارجي بنموذجه الغربي، القائم على الاحتلال أو الهيمنة أو فرض نموذج الدولة الفاشلة.
إن مشروع هذه القوى الدولية الصاعدة، يتقاطع إلى درجة التطابق مع استعادة السيادة الوطنية والاستقلال الوطني.
إن جوهر القرار، وروحه، ونتيجته هي: أن يقرر السوريون مصيرهم بأنفسهم، ونعتقد بأن السوريين هنا، لا يقصد به الحفاظ على النظام كما هو، أو استلام المعارضة للسلطة كما تسعى معارضة الرياض، أو حتى كلاهما معاً فقط، بل يعني في العمق، فسح المجال للشعب السوري كي يقرر مصير بلاده، بدءاً من محاربة الإرهاب، والقضاء عليه، وانتهاء بالتغيير، بما فيه شكل ومحتوى النظام السياسي الذي يريده السوريون.
إن مفهوم الوقوف ضد التدخل الخارجي تاريخياً، يعني الحفاظ على وحدة وسيادة الدولة السورية، ولما كان الحل السياسي هو الأداة الوحيدة لذلك في ظروف الازمة، فإن معيار الموقف الجدي من التدخل الخارجي، بكل صيغه، وأشكاله وجهاته، هو الموقف من الحل السياسي وحامله القانوني، أي: القرار 2254 ، وكما هو، بتكامله وشموله، ومراحل تنفيذه المختلفة، الذي يعني إيقاف العمل المسلح والكف عن فكرة الإسقاط عبر العسكرة، والكف عن فكرة الحسم، وقبول الانتقال السياسي التوافقي، وبالتالي فإن هذا القرار هو بوابة لجم التدخل الخارجي، وإسقاط لكل مبرراته، ومقدماته، وإجهاض لما تبقى من محاولات حصد ما يمكن من النتائج، كمقدمات لابد منها لتوحيد السوريين في معركتهم متعددة الإحداثيات: الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية، بما يعبر عن كرامة الوطن والمواطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 828