شعوبنا و«المجتمع الدولي»
محمد إسماعيل محمد إسماعيل

شعوبنا و«المجتمع الدولي»

اعتادت شعوب المنطقة، ومعها شعوب الدول التي كانت عرضة للمشاريع الغربية، أن تتخذ لنفسها موقعاً رافضاً لـ«المجتمع الدولي» الذي كان يختزل لفترة طويلة من الزمن مفهوم الهيمنة الغربية، والاحتلالات والغزو العسكري الذي قادته الولايات المتحدة، وكبدت خلاله هذه الشعوب الويلات الواحدة تلو الأخرى.

ربما تكون الدعوة اليوم إلى إعادة النظر بمفهوم المجتمع الدولي مثيرة للاستغراب، لا سيما وأن هذه الشعوب لم تلمس بعد كل التغيرات التي طرأت على هذا المفهوم المتقلب بتقلب الموازين الدولية. فإذا كان المجتمع الدولي هذا هو التعبير عن واقع التوازنات التي تعكس نفسها أحياناً بمجموع القرارات التي تتخذها المؤسسات الدولية، وأحياناً أخرى بالآلية التي يجري فيها تطبيق هذه القرارات، يغدو عندئذٍ من السهل فهم هذا الرفض الذي تبديه شعوب العالم اتجاه «المجتمع الدولي» بشكلٍ عام، فهي التي قاست من العنجهية الأمريكية وسياسات التفرد الغربي، ووجدت مؤسسات دولية لم تلعب منذ تأسيسها سوى دور الأداة الغربية النشطة في هذا الصدد.
الجديد الذي يرسخ نفسه
لم يعد المجتمع الدولي ذاك الذي كان موجوداً حتى بدايات هذا العقد، فمع الصعود الروسي الصيني، وما يقابله من تراجعٍ أمريكي جلي وواضح تعترف به حتى أكثر الرؤوس الحامية في واشنطن، صار بالإمكان الحديث عن أن مجتمعاً دولياً جديداً يتشكَّل، في مقابل تماوت القديم تدريجياً، وتماوت القديم يحمل ضمناً تماوت مفرداته السائدة التي اعتاد الناس على تكرارها.
هذا الجديد الذي نتحدث عنه عبَّر عن نفسه مرات ومرات، فحمى السوريين، لا النظام السوري، من احتمالات التدخل العسكري الغربي المباشر عبر الفيتو الروسي الصيني المشترك والمتكرر مرات عدة، وضمن الحقوق المشروعة للشعب الإيراني بالاستفادة القصوى من قدراته النووية للأغراض السلمية، ويمنع اليوم مشاريع التدخل الجديدة في شرق آسيا، بما في ذلك في ميانمار وكوريا الشمالية، وعدا عن هذا وذاك، يفتح الباب للحفاظ على سيادة الدول، وسيادة شعوبها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها، دون إملاءات وتدخلات.
هذا الجديد لم يولد صدفة، وليس نتيجة لتقلبات عرضية مفترضة على الصعيد الدولي، بل هو نتيجة حتمية لحالة الصعود الموضوعية التي تعيشها مجموعة من الدول التي تدور في فلك «بريكس» و«شنغهاي» وأمثالهما، ولحالة الانهيار التي تتكبد آثارها الدول الدائرة في الفلك الأمريكي، والتي تحاول اليوم بهذه الطريقة أو تلك أن تجد لنفسها مخرجاً من المركب الأمريكي الغارق.
دفن مفردات القديم
لا يخفى على أحد، الأحاديث المتكررة عن مشاريع تقسيم هنا وهناك، ومشاريع لتقاسم النفوذ بين «القوتين الكبيرتين» أمريكا وروسيا، وهذا الحديث مفهوم تماماً في حالة واحدة فقط، إذا نظرنا إلى أن المحللين الذين يحاولون الترويج لمثل هذا الكلام لم ينتبهوا (إن أحسنا النية) إلى التغير في موازين القوى الدولية، وبالتالي، لم تتجدد آلية التحليل التي يعتمدون على مفرداتها، فالقوة الكبرى بالنسبة إلى هذه العقلية هي مكافئ حتمي للقوة الاستعمارية التي تعمل على استعباد البشر والإضرار بمصالحهم، وإن كان الانطباع هذا صحيحاً في المرحلة التي كانت فيها القوى الغربية الاستعمارية هي القوى التي تسود الكوكب، فإنه لم يعد كذلك بعد مرحلة الصعود التي تعيشها دولٌ تتجسد مصالحها في تعميم فكرة التكاملات الإقليمية اقتصادياً وسياسياً... وجرف الصراعات البينية في المنطقة وخارجها، بما يضمن الحفاظ على سيادة الدول وحرية شعوبها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
828