رسالة مفتوحة إلى السيد فاتح جاموس

رسالة مفتوحة إلى السيد فاتح جاموس

ارتأت قيادة جبهة التغيير والتحرير تكليف بعثة رئاسة منصة موسكو والوفد المفاوض بالرد على رسالة السيد فاتح جاموس.

لم تكن مفاجئة أبداً الرسالة المفتوحة المطولة جداً، التي نشرها السيد فاتح جاموس على صفحته الشخصية يوم الإثنين 24 تموز، ووجهها لجبهة التغيير والتحرير وللرأي العام، علماً أنّه حاول اختزال أطراف الجبهة كلّها بحزب الإرادة الشعبيّة، وخاطبه وحده، دون غيره، وهو أمر لافت وغريب شكلاً ومضموناً.
وهنا سنحاول أن نوجز في ردنا قدر الإمكان عبر المرور على النقاط الأساسية التي تضمنتها رسالة السيد فاتح.

أولاً: الداخلي والخارجي:
- يتهم السيد فاتح مكونات الجبهة بالخروج عن «خط الجبهة ووثائقها»، مستنداً إلى أن وثائقها التأسيسية التي تعود لعام 2014 قالت بالحوار الداخلي كمخرج من الأزمة في حين أنها تصب كل جهودها اليوم في مسار جنيف. إذا افترضنا جدلاً أنّ قوى الجبهة جميعها (عدا السيد فاتح كما يقر هو نفسه) قد خرجت عن الوثائق التأسيسية (وليس هذا واقع الحال)، فإن ذلك أمر طبيعي جداً ضمن أي تحالف بين مجموعة من القوى، تتحرك مواقفها بتحرك الواقع وفهمها له، وتبقى في إطارها التحالفي ما دامت متفقة على (الموقف الجديد) الذي تتبناه معاً. وعليه فإنّ من خرج عن خط الجبهة، ليس اليوم أو بالأمس، بل منذ فترة طويلة، هو السيد فاتح نفسه!
- إنّ المقصود بالحوار الداخلي، ومنذ اللحظة الأولى، هو الحوار بين السوريين أنفسهم، وهذه مسألة يمكن تحقيقها نظرياً في دمشق -وهو ما اشتغلنا به طويلاً دون الوصول إلى نتائج حقيقية- أو في أي مكان آخر، بما في ذلك جنيف.يسبغ السيد فاتح قيمة إيجابية على كل ما هو «داخلي» وسلبية على كل ما هو «خارجي»، في فصل تعسفي وغير علمي، ناسياً -ربما- أنّ السياسات الليبرالية المتوحشة التي كانت مسبباً أساسياً للأزمة هي سياسات داخلية وخارجية في آن معاً، وناسياً أنّ ضمن تركيبة النظام الطبقية فاسدين كباراً، وتجار حروب، يمثلون مصالحهم ومصالح الخارج أيضاً، والخارج الغربي الفاشي خصوصاً! سواءً بسواء مع المعارضة وتركيبتها في الداخل والخارج، وهو الأمر الذي دفع الجبهة منذ أيامها الأولى للتأكيد على أنّ الفرز الحقيقي ضمن المعارضة والنظام هو بين الوطنيين وغير الوطنيين، وليس بين داخل وخارج. إنّ تركيزنا على البعد الداخلي للأزمة، لا يمكن أنْ يصرف اهتمامنا بحالٍ من الأحوال، عن البعد الخارجي لها، وعن الدور التخريبي الذي تمارسه بعض الأطراف الدولية والإقليمية والعربية، وتزويدها الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تمارس قتل السوريين وتدمير ممتلكاتهم العامة والخاصة، بالمال والسلاح والإعلام والدعم اللوجستي وتجنيد المقاتلين و تدريبهم. فالأزمة السورية أصبحت مركبة الأبعاد، فبالإضافة إلى البعد الداخلي، هنالك أبعاد دولية وإقليمية وعربية، وهنا تكمن التعقيدات في إيجاد حلولٍ ومخارج لها، وهنا أيضاً يظهر مدى وهمية الحديث عن «حوار داخلي» بالمعنى الجغرافي الذي يطرحه السيد فاتح، كمخرج من الأزمة. من الغريب حقاً، حديث السيد فاتح المتكرر عن «العمل الكفاحي والنضالي الداخلي»، والذي يتهم مكونات الجبهة بأنها تخلت عنه لأنها تركز جهدها على «مسار خارجي» أي: جنيف، في حين تعمل مكونات الجبهة بشكل يومي بين جماهير الشعب السوري بشرائحه المختلفة، بين العمال وفي النقابات وبين الفلاحين وفي الأحياء وفي جميع المحافظات السورية، ولا تصرف جهدها «الداخلي» على نشاطات نخبوية بين مجموعة قوى سياسية صغيرة وأغلبيتها أو جزء كبير منها بلا فاعلية...

ثانياً: فهم الموقف الروسي
أهم مشكلات السيد فاتح هي فهمه الخاطئ للدور الروسي في سورية، ولكل التوازن الدولي الجديد بطبيعة الحال، فهو يرى روسيا – كما يراها المتشددون في النظام والمعارضة- حليفة للسلطة، لا حليفة للشعب السوري، بل يمكن للمرء أن يقرأ في تقييمه لذلك الدور، أنه دور استعماري يعمل بمنطق «تقسيم الكعكة» و»التحاصص» كما سيظهر من الاقتباس الذي سنورده. وعليه، ينظر إلى القرار 2254 وإلى مسارات أستانا وجنيف بوصفها مراوغات روسية، الهدف منها تضييع الوقت ريثما يتم الحسم العسكري، وإنْ لم يقل هذه الأخيرة صراحة، إذ استبدلها بعبارة: «إعطاء فرص للحليف ]أي السلطة السورية، لا الشعب[ لتقوية وتثبيت أوضاعه، للاستفادة من ذلك في أي مسار سياسي محتمل للمستقبل، من أجل أكبر حصة ممكنة في عملية نسميها (عملية اقتسام الكعكة) لو حصلت”.
- رغم هذا الفهم، لكنه يعود ليناقض نفسه حين يعوّل على ضغط روسي على «السلطة السورية» من أجل حوار داخلي، يتوهم بعض المتشددين أنهم يستطيعون عبره نسف جنيف ونسف 2254. وذلك في الوقت الذي تؤكد فيه روسيا، صباح مساء، وقولاً وفعلاً، أنها ملتزمة بالقانون الدولي وبالقرارات الدولية، وأنّ نموذج العالم الجديد، لا سورية الجديدة فحسب، ينبغي أن يُبنى استناداً لشرعية قانونية حقيقية ليس فيها أي مكان لبلطجة أي قوة كانت.
إنّ مصلحة روسيا هي في استقرار المنطقة ككل، ومفتاح ذلك هو استقرار سورية ووحدتها وسيادتها، والذي لا يمكن تحقيقه دون مسألتين متلازمتين: الحرب المستمرة على الإرهاب حتى إنهائه، بالتوازي مع حل سياسي يوحد بنادق السوريين ضد الإرهاب، ويضع قرار السوريين بين أيديهم. هاتان المسألتان تجدان تطبيقهما العملي في مساري أستانا وجنيف، وفي المركز منهما القرار 2254 الذي فرضته القوى الصاعدة فرضاً على المنظومة الغربية المتراجعة.

ثالثاً: التقارب مع «المعارضات الخارجية”
يجتهد السيد فاتح – أسوة بما يفعله ويحلم به متشددو النظام والمعارضة- في تشويه عملية التقارب الجارية فعلاً مع منصتي القاهرة والرياض، غامزاً ومصرحاً، بأنّ ذلك تنازل عن الثوابت الوطنية لجبهة التغيير والتحرير، والتحاقٌ بمنصة الرياض ومواقفها وأجنداتها. وواقع الحال شيء آخر كلياً، تفسره النقطتان التاليتان:
- إنّ الأساس الموضوعي للتقارب هو الضعف المزمن الذي يعانيه المتشددون ضمن صفوف المعارضة (بالتلازم مع ضعف أقرانهم المتشددين في النظام) وتراجع طروحاتهم وشروطهم المسبقة، كنتيجة لضعف وتراجع المنظومة الغربية ككل، وحلفائها الإقليميين خاصة وما يعيشونه من أزمات. أي: أنّ منصة موسكو وكذلك العقلانيين في المنصات الأخرى، والذين يريدون إنهاء الأزمة حقاً، ومحاربة الإرهاب واستعادة السيادة السورية حقاً، هم الذين يتقاربون محققين بذلك مزيداً من الضعف والتراجع للمتشددين، وتالياً للأجندات الإقليمية والدولية التي يرتبط بها هؤلاء المتشددون.
- إن عملية التقارب إذ تستهدف الوصول لوفد واحد وصولاً للمفاوضات المباشرة، فإنها مبنية على الحد الأدنى المشترك الضروري، وهو القرار 2254 الذي يضمن محاربة الإرهاب ووحدة سورية وسيادتها وحق شعبها في تقرير مصيره بنفسه.

رابعاً: الموقف من أمريكا والفاشية
يكيل السيد فاتح -أسوة بمتشددي النظام- الاتهامات للدكتور قدري جميل بناء على لقائه مع فورد -وبالمناسبة نقدم لهؤلاء لقاء جديداً مع مايكل راتني صرحنا عنه في وقته خلال الجولة الأخيرة من جنيف. إنّ الفهم السطحي لمسألتي الداخل والخارج، يتكرر هنا، إذ لا يرى السيد فاتح في مُطبّقي توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين في سورية امتداداً للأمريكان، بل ويرى التحاور معهم، ما داموا «في الداخل»، حواراً وطنياً بامتياز، بينما يعيب علينا أننا التقينا علناً مع الأميركيين عدة مرات، بوصفهم أحد الراعيين الأساسيين لحل الأزمة السورية، ولم نطرح في هذه اللقاءات سوى خط الجبهة ذاته الذي نطرحه أياً كان من نلتقيه .ينسحب الفهم السطحي السابق على مسألة محاربة الفاشية- الإرهاب، والبحث عن «جبهة داخلية لمحاربة الفاشية»، إذ يكمن خلل الفهم في مسألتين: الأولى هي الفهم الجامد للفاشية بوصفها مسألة خارجية بالكلية، وليس لها من يعاونها من الفاسدين الكبار وتجار الحروب من السوريين معارضة ونظاماً، والثانية: هي الفصل التعسفي بين محاربة الإرهاب وبين الحل السياسي. وقد قلنا مراراً بأن الحلول العسكرية ضد الإرهاب ضرورية ولكنها تبقى جزئية، في حين أنّ الحل السياسي هو سلاح التدمير الشامل في وجه الإرهاب، إذ يحقق توحيد بنادق السوريين في وجهه، ومن جهة ثانية يحقق إغلاقاً فعلياً للحدود أمام التمويل والتسليح والمسلحين، (وهو أمر لا يمكن تحقيقه في دمشق حتى لو اتفقت القوى السورية جميعها على كل شيء)، أي: أنّ محاربة الإرهاب دون اتفاق دولي تعني استمرار هذه المحاربة -واستمرار الأزمة ضمناً- عقوداً وعقوداً مؤدية لخدمة الفاشية ولتحقيق المشروع الأمريكي بالفوضى الخلاقة ومؤدية لانهيار الدولة السورية.

خامساً: مغالطات بالجملة
ضمنت رسالة السيد فاتح عدداً كبيراً من «المغالطات» فيما يتعلق بالشؤون التنظيمية الداخلية لجبهة التغيير والتحرير، كقوله مثلاً بغياب اجتماعات الجبهة، إن اجتماعات الجبهة قائمة ومستمرة وهذه الاجتماعات تجري في الداخل، وأعضاء قيادة الجبهة متفقون جميعاً على المواقف السياسية وربما هذا ما يؤرق السيد فاتح.
- أما الحديث عن (اتفاقاتنا على أن تكون المواقع دوارة) في المناصب القيادية في العمل الجبهوي، فحقيقة الأمر، أنه لم يتم أي اتفاق بهذا المعنى يوماً في الجبهة والوثائق الداخلية لا تحتوي أي شيء عن ذلك، والسيد فاتح جاموس قدم اقتراحاً بذلك ولم يجر إقراره في منصة موسكو أو في قيادة الجبهة ولا نعرف لماذا يعتبر السيد فاتح جاموس اقتراحاته اتفاقات، ربما فعلا هي عقلية الحزب القائد .
إن السيد فاتح جاموس قد حضر جولات جنيف التي انعقدت في عام 2016 جميعها، وقد وافق على اقتراحات منصة موسكو المقدمة خلال تلك المفاوضات، والتي تتعلق بمواضيع التفاوض، وهو يعرف أن المشاركة في جولات جنيف تعني الموافقة على العمل على تنفيذ القرار 2254 وليس أي شيء آخر وذلك متضمن في نص الدعوة لحضور مؤتمر جنيف ولا نعرف لماذا يحاول السيد فاتح التنصل من هذه المواقف فيما يتعلق بالاتهامات الخاصة بحزب الإرادة الشعبية، والتوصيفات حول(الانتهازية والاستيزار...) وما إلى هنالك، تركنا للحزب – بناءً على رغبته- الحق بأن يرد عليها في مكان منفصل عن هذه الرسالة.
سادساً: إن مما يدعو للتساؤل والاستغراب، هو التوقيت الذي اختاره السيد فاتح لتوجيه رسالته المفتوحة، ذلك أن ما فيها من طروحات سياسية ليس جديداً البتة، وكذلك فإنّ مواقف الجبهة من هذه الطروحات ليست جديدة هي الأخرى... وإنْ كان التشكيك في جدوى مسار جنيف قابلاً للفهم قبل سنة من الآن -ونقول قابلاً للفهم لا للتبرير- فإنّ رسالة السيد فاتح اليوم، في ظل تسارع مسار جنيف والاقتراب من تشكيل وفد واحد للمعارضة ومن مفاوضات مباشرة، وتراجع وضعف المتشددين في كل الأطراف، والأزمة الخليجية، وتقدم مسار أستانا، وتقدم التوافق الروسي- الأمريكي، إن كل هذه المعطيات، والظروف ترسم علامات استفهام كبرى حول رسالة السيد فاتح وتوقيتها...
سابعاً: آفاق العلاقة إنّ موقف جبهة التغيير والتحرير، وحلفائنا الآخرين ضمن منصة موسكو، ثابت فيما يتعلق بدعم مسار جنيف وصولاً لتطبيق القرار 2254 بكامل بنوده. وكذلك فيما يتعلق بضرورة التقارب مع المنصات الأخرى على أساس مشترك أدنى هو القرار 2254 وصولاً لوفد واحد ولمفاوضات مباشرة. وعلى السيد فاتح أن يحدد موقعه من الجبهة بناء على ذلك.

د.يوسف سلمان: أمين عام الحزب الديمقراطي الاجتماعي- عضو قيادة الجبهة – عضو قيادة منصة موسكو
نمرود سليمان: مستقل – عضو قيادة منصة موسكو
فهد حسن: عضو قيادة تيار طريق التغيير السلمي – عضو قيادة الجبهة – عضو قيادة منصة موسكو.
حيقار رشيد عيسى: عضو قيادة تجمع شباب سورية الأم – عضو قيادة الجبهة – عضو قيادة منصة موسكو
حمزة منذر: عضو رئاسة حزب الإرادة الشعبية –رئيس وفد منصة موسكو في الجولة الرابعة
مهند دليقان: أمين حزب الإرادة الشعبية – رئيس وفد منصة موسكو في الجولات 5 و6 و7.
سامي بيتنجانة: عضو المكتب السياسي في التيار الثالث لأجل سورية – عضو قيادة الجبهة – عضو في الوفد المفاوض.
عباس الحبيب: منسق عام مجلس العشائر العربية – عضو قيادة الجبهة – عضو في الوفد المفاوض

معلومات إضافية

العدد رقم:
822