أي دستور نريد؟

أي دستور نريد؟

بعد الزخم الكبير في تقدم خيار الحل السياسي، وتسارع وتائر العمل على طريق انعقاد جولة جديدة من مفاوضات جنيف، لحل الأزمة السورية، وتثبيت موعدها. تم فتح الباب لبحث القضايا جميعها، بما فيها الجوانب الإجرائية الملموسة، ومنها الدستور اللاحق، الذي سيعتبر وثيقة استثنائية كونه يحدد ملامح سورية القادمة، عقب أزمة كادت أن تطيح بوجودها.  

 

 

لا شك أنه من حق الجميع إبداء الرأي في الدستور اللاحق، على طاولة المفاوضات في جنيف، أو ضمن الأطر التي ستشكل لاحقاً لصياغته؛ إلا أنه من غير المفيد الآن إخضاع تفاصيله للتجاذب السياسي، ضمن منطق الشروط المسبقة، ومحاولة فرضها على الآخرين؛ بما يؤسس لانقسامات جديدة بين أنصار الحل السياسي، قد تؤثر سلباً على زخم العملية السياسية المتعاظم بعد اجتماع آستانا، واجتماع موسكو للمعارضة السياسية، وتعرقل تسارع سير العملية السياسية إلى الأمام؛  فالتوقيت في ظروف الأزمة، ليس مسألة شكلية بل هو أحد شروط نجاح صياغة وإنجاز الدستور الجديد وإقراره، لأن طرح القضية بعد انطلاق المفاوضات يخضعها لإحداثيات الحل السياسي، وبعد تبلور أطره الوطنية الجامعة، خارج ثنائية نظام – معارضة؛ أما طرحها في ظروف الانقسام، والاستقطاب الحاد التي تمر بها البلاد الآن، فيمكن أن يلعب دوراً معكوساً، ومن الأنسب لسورية، وضع دستورها الجديد ومناقشته مع بدء انطلاق المرحلة الانتقالية، أي بعد تشكيل الجسم الانتقالي، كما ينص قرار مجلس الأمن 2254، وذلك من خلال لجنة مختصة تشكل لهذا الغرض، يشارك فيها ممثلو النظام والمعارضة.

إن الإقرار بالتعدد القومي والديني في سورية، ومراعاة خصوصياتها، واجب وطني، وحق ديمقراطي مشروع،  ولكن يجب ألا يتعارض بحال من الأحوال مع وحدة البلاد، وهو لا يعني أن يمنح أحد حق الفيتو، ومحاكاة تجربة المحاصصة سيئة الذكر. بمعنى آخر، ينبغي الانطلاق من ضرورة صياغة ذلك النموذج الإبداعي، الوطني الديمقراطي المناسب لخصائص الوضع السوري، بما يمنع استمرار سياسات الإقصاء والتمييز من جهة، ويمنع في الوقت نفسه شرعنة، وقوننة الثنائيات الوهمية. 

وما لاشك فيه، أن الدستور الجديد، يجب أن يستند إلى التجربة السورية، منذ أول دستور صدر عام 1920، وتجارب دول أخرى، بما فيها المقترح الروسي الأخير، ولكن الصياغة النهائية هي شأن سيادي، وهي حق الشعب السوري حصراً، ولا أحد غيره، الأمر الذي أكده الجانب الروسي، رداً على اللغط الدائر حول المسودة الروسية، التي جاءت كإشارة لبدء العمل الملموس، ليحل صراع الآراء، بدلاً عن الاحتكام إلى السلاح، أو الثرثرة الفارغة.

وعلى كل حال، فإن أي دستور لاحق، كجزء من عملية التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، وأحد حواملها الأساسية، وحتى يكون عاملاً مسرعاً لتجاوز الآثار الكارثية للأزمة الوطنية، وبعيداً عن التفاصيل؛ ينبغي أن ينطلق من المهام التي يفرضها الواقع الموضوعي، والجغرافيا السياسية على سورية؛ سواء كانت مهاماً وطنيةً عامة، بمعنى  الحفاظ على وحدة البلاد، والسيادة الوطنية، وتحرير الأراضي المحتلة؛ أو مهاماً اقتصاديةً اجتماعية، عنوانها العريض، نموذج اقتصادي جديد، يحقق أعلى نسبة نمو، وأعمق عدالة اجتماعية؛ أو مهاماً ديمقراطية، تتعلق بالحقوق الطبيعية للبشر، كتأمين الغذاء، والرعاية الصحية، والسكن، والحريات السياسية، كحرية الرأي، والنشاط السياسي، وعدم التمييز بين المواطنين على أساس ديني أو قومي .

معلومات إضافية

العدد رقم:
796