آستانا والبعد الإقليمي
تتسارع وتتكثف جهود روسيا الاتحادية في إطار التحضيرات الجارية، لعقد لقاء آستانا بعد أيام، بين وفد الحكومة، والجماعات المسلحة، تنفيذاً للبيان الثلاثي «الروسي الإيراني التركي»، وإعلان وقف إطلاق النار، الذي سجل تقدماً ملحوظاً من ناحية الالتزام به، بالنسبة للتجارب السابقة، وذلك باعتراف الأطراف والقوى المحلية والإقليمية والدولية المختلفة، ليؤكد بالملموس إمكانية السير إلى الأمام، وإطلاق العملية السياسية، عندما يتحلى الراعي بالحيادية والنزاهة، وخصوصاً بعد أن حكم الطرف الأمريكي على نفسه بالخروج من المشهد، وسياسة التسويف والتأجيل والمماطلة التي لجأ إليها، إثر التناقضات التي خرجت إلى العلن بين أركان الإدارة الأمريكية، فيما يتعلق بالملف السوري.
إن هذا الانعطاف على أهميته القصوى سورياً، إلا أنه ذو أبعاد دولية وإقليمية أيضاً، مما يعني ضرورة التعاطي معه كبداية اختراق استراتيجي جاء بالضد من «الفوضى الخلاقة» الأمريكية، بأهدافها ومراميها المعروفة، على امتداد مساحة الإقليم، حيث كانت إحدى أدواتها استمرار حالة الاستنزاف، وإنهاك الجميع، عبر سياسة ضرب الكل بالكل، وتخريب بنى مجتمعات ودول المنطقة دون استثناء، والاشتغال على القضايا المعلقة والمزمنة، والتناقضات البينية، واختلاق الجديد منها إذا تطلب الأمر، ومن هنا فإن الحرص على نجاح الهدنة في سورية، ليس مصلحة وطنية للسوريين فقط، بل تعبير عن مصالح عموم شعوب شرق المتوسط، وبالتالي، فإنّ تذليل العقبات، وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في لقاء آستانا القادم، كخطوة على طريق الحل السياسي، واستئناف مفاوضات جنيف، وتنفيذ القرارات الدولية، وخصوصاً القرار 2254 يعتبر فرصة ذهبية بالنسبة للدول والقوى المستهدفة بالمشروع الأمريكي، الأمر الذي يتطلب من الجميع المساهمة في دفع العملية إلى الأمام، والإسراع في تطبيق الاتفاقات الموقعة، وعدم السعي وراء مصالح آنية وجزئية، يمكن أن تخلط الأوراق، وتعرقل استراتيجية الحل السياسي التي بدأت تشق طريقها، باعتبارها الرد العملي على مشاريع الفوضى.
تؤكد تطورات الأوضاع، على وحدة التحديات الماثلة أمام دول وشعوب المنطقة، مما يفترض ضرورة التعاطي مع الملفات الساخنة فيها، على أنها ملفات متكاملة، والعمل للوصول إلى توافقات تأخذ مصالح الجميع بعين الاعتبار، سواء كانت مصالح وطنية عامة تتعلق بالحفاظ على وحدة وسيادة هذه البلدان، أو مصالح الشعوب، الاقتصادية-الاجتماعية، والديمقراطية، وحقها في التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل.
إن رؤية ضمن هذا الإطار، من شأنها أن توحد القوى الحية كلها، ضد مشروع قوى الحرب في مراكز القرار الغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً، وتضع حداً لتدخلها الاقتصادي والعسكري والسياسي في شؤون بلدان المنطقة، سواء كان بشكل مباشر، أو من خلال أدواتها الجديدة من الجماعات الإرهابية كـ«داعش والنصرة»، وأداتها القديمة، الجديدة «الكيان الصهيوني»، ومن شأن رؤية كهذه أيضاً، أن تعمق وتجذر خيار المقاومة بمعناه العميق، وتعطيه زخماً جديداً، كخيار تاريخي للشعب السوري، وانعكاس لبنيته الحضارية، وثقافته، وتقاليده، وتحديات الجغرافيا السياسية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 794