كيف نثبت أنّ «الإمبريالية من الأمْبَرَة»؟
هنالك طريقتان مجرَبتان لكيفية إثبات أنّ (الإمبريالية من الأمْبَرَة)، وتفيدان أيضاً في فهم وتفسير كيف أنّ (التوسعية من التوسع): الأولى، هي: الاستشهاد بمسرحية عادل إمام «الزعيم»، التي يُطلِق فيها هاتين المقولتين الساخرتين، وأما الثانية، فهي: الاستشهاد بسلسلة المقالات التي يكتبها سلامة كيلة عن «إمبريالية روسيا»، مع فارق أنّ هذا الأخير يتعامل مع منتجه بوصفه أمرَ جدٍ لا أمرَ هزل...
ليس الكلامُ السابق سخريةً، وإليكم الدليل مباشرةً: في مقاله المنشور مؤخراً في العربي الجديد تحت عنوان (دور لروسيا الإمبريالية في إجهاض الثورات)، يستند كيلة إلى تصريح وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو المنشور في رويترز يوم 22/12/2016، والذي يقول فيه (وفقاً لكيلة): إن روسيا «نجحت في وقف سلسلة الثورات في الشرق الأوسط وأفريقيا». وبناءً على هذا التصريح الشرير، الذي يعيد تذكيرنا به في كل مقطع من مقاله، يبني كيلة (تَصوّرهُ الفكري) - الذي لا يخلو من اقتباسات من كتابات ماركس- عن حِصن الرجعية: روسيا الإمبريالية. بالعودة إلى رويترز، تبيّن أن كيلة «لم ينتبه» إلى كلمة صغيرة وُضعتْ كصفة إلى جانب الثورات، نقصد كلمة الملونة. نقول لم ينتبه لأنّ من المستحيل أن يناصِر ثوريٌ عتيد من طرازه الثورات الملونة، وهي الاسم المكافئ لجملة الانقلابات التي قادتها المخابرات الغربية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي مسقطة الاتحاد السوفييتي، ومفتتة إياه، وموقعة شعوبه وشعوب البلدان الأخرى التي «نعمت بالديمقراطية الأمريكية» في حينه، بويلات لا تزال حتى اللحظة تحاول الخروج من آثارها الكارثية، ثورات ملونة بسواد البرنارين (بومتي الخراب): كوشنير وليفي، ذلكم مستحيل ولا شك! ولذلك، هناك احتمال آخر، غير احتمال أنّه «لم ينتبه»، ذلك الاحتمال هو الذي استحضر في الذاكرة (الإمبريالية والأمبرة وعادل إمام)، فالزعيم الذي قاد الثورة يحق له أن يدبّج أيّ كلام، حتى وإن خلا من أية حجة منطقية، فهو حجّة نفسه! وكذلك الأمر مع كيلة حين يخترع تصريحاً مناسباً لما يريد قوله، ثم يستند إليه، فإسقاط كلمة (الملونة) من التصريح الآنف الذكر، ليس «تحريفاً»، فالتحريف ربما يبقي شيئاً من الأصل كوسيلة للإيهام، ولكنّه اختراع يستحق مُجتَرِحهُ أن يتبوأ موقعه بين مصنّعي «الهزل التاريخي»...
أعتقد أنّ ما سبق يكفي، بل ويزيد عن الحاجة فيما يتعلق بالسيد المحترم سلامة كيلة، وأما الطرح القائل بأنّ «روسيا إمبرياليةً»، فسنتناوله بشكل مفصل وموسع في مقال قريب، ذلك أنّه، وبغض النظر عن طبيعة مطلقيه، وعن غايات كلٍ منهم، فإنّ هنالك مَنْ يتبنى طرح «إمبريالية روسيا»، أو أنّه لا يستهجنه، رغم أنّه في الصف المعادي حقاً للإمبريالية العالمية، على الأقل من حيث النيّة، وهذا بالذات هو من يهمنا الحديث معه، وفتح النقاش الفكري الجاد بيننا وبينه، لأنّ كيلة وأمثاله، وبمواقفهم السياسية المتماهية كلياً مع الفئات الأشد تخلفاً ورجعيةً ضمن الغرب، يُسهلون علينا أمر الرد الفكري عليهم، وإن شئتم فإنهم هم أنفسهم حجتنا على «معلقاتهم الفكرية»...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 794