الحركة الشعبية.. قدر موضوعي!!

يخطأ النظام إذ يتعامل مع الحركة الجارية على أنها مؤقتة وعابرة، وتخطأ «المعارضة» حين تتعامل معها على أنها ستحتفظ بدرجة وعيها السياسي المنخفض حالياً.. يجمع الطرفين عدم فهمهما لموضوعية الحراك الجاري، وهما وإن اعترفا بذلك عرضاً فإنهما لا يضعان الحراك ضمن سياقه التاريخي والجغرافي الحقيقي الأمر الذي ينتج عنه بالضرورة ممارسات وسياسات خاطئة لن تفعل سوى أنها ستعمل على تأخير القدر القادم...

يعمل منذ قرابة العقدين مجموعة من علماء الاجتماع على صياغة نظرية حول الدورية التاريخية لحركة الجماهير وسكونها، ولعل من الممكن الآن القول بأن هذه الدراسات بدأت تعطي نتائج واقعية.. ترى هذه الدراسات أن هنالك تكراراً دورياً لنهوض فعل الناس السياسي ومن ثم عودتها إلى حالة عدم الفاعلية السياسية. إذا بدأنا من الثورة الفرنسية 1879 سنرى أن الحركة التي بدأت عفوية ودون قيادة واحتلت الباستيل، امتدت بعد ذلك لتشمل أوروبا كاملة ولتهز عروشها وتسقطها الواحد تلو الآخر في عملية هدم استمرت حوال العقدين تلتها عملية بناء للجمهوريات البرجوازية (للنظام الجديد) استمرت هي الأخرى قرابة العقدين من الزمن. وكانت في حينه الحركة العمالية تلج نضالها السياسي الواسع للمرة الأولى ولم تكد تدخله بشكلها العمالي الصافي في ثورات 1848 التي شملت أوروبا كاملة كنتيجة لخيبة أمل الطبقة العاملة بالثورة البرجوازية التي استخمدتها ثم ألقتها جانباً حتى خرجت منه متقهقرة ومثخنة بالجراح.. هنا انتهت النوبة الموجبة من الموجة التاريخية الأولى، وبدأت النوبة السالبة التي تعني عودة الجماهير إلى بيوتها وابتعادها عن النشاط السياسي، استمر الأمر كذلك حتى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين حيث أعلنت ثورة عمال بتروغراد 1905 بداية النوبة الموجبة للموجة التاريخية التالية، تلتها ثورة أكتوبر 1917، ووصلت إلى قمتها مع نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 لتبدأ بالتراجع ولتنتهي النوبة الموجبة وتبدأ السالبة وتبلغ قمتها مع انهيار الاتحدا السوفييتي 1991. انهيار الدولة الاشتراكية العظمى لم يكن إلا نقطة انعطاف ينتهي عندها هبوط المنحني ليبدأ بالصعود الذي استمر بقيمة سالبة حتى مطالع 2011 إذ دخل الصعود في النوبة الموجبة التي لا نزال نعيش أول لحظاتها...

نستنتج من الاستعراض السابق:

1 الحركة التي بدأت دائماً محلية لم تبق كذلك ولكنها امتدت جغرافياً إلى مساحات أوسع في حالة الثورة الفرنسية امتدت لتشمل أوروبا وفي حالة أوكتوبر امتدت لتشمل مساحة تصل إلى ثلث مساحة العالم، ما يعني انها اليوم وبحدها الأدنى ستشمل أاكثر من نصف مساحة العالم...

2 الحركة التي بدأت عفوية ومضطربة وخجولة، تقوت مع الزمن زاشتد عودها وتنظمت وأنتجت أحزابها السياسية. الأحزاب التي قادتها نحو حراكها الثوري التغييري..

3 الحركة التي بدأت سواء في الثورة الفرنسية أو في ثورة أكتوبر، لم تمنعها أي من العوائق من أن تستمر في صعودها حتى تأدية المهام التاريخية المطلوبة..

4 لم تكن الحركة مؤقتة أو عابرة ولكنها امتدا عقوداً من الزمن..

 

ينبغي التعامل مع الحركة العالمية الجارية على أساس فهم وظيفتها التاريخية والتي لن تتراجع إلى أن تحققها.. بهذه الطريقة من الممكن أن نخفف من الآلام التي ستعانيها البشرية لتحقيق ما سيتحقق.

معلومات إضافية

العدد رقم:
544