الافتتاحية بعض دروس الانتصار..

انتهت الجولة الأولى من الحرب الطويلة المتدرجة والمتدحرجة والفاصلة في الجنوب اللبناني بهزيمة مدوية للجيش الذي (لايقهر)، على أيدي مقاتلين قلائل وأشداء.

إن دراسة ماحدث والخروج باستنتاجات، وكشف سر هذا الانتصار، هو مهمة ملحة من أجل تثبيته واستمراره وتعميقه على الساحات المرشحة فالإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني لن يستطيعا التعايش مع واقع هزيمتهما، وهما على استعداد لارتكاب حماقات أخرى لغسل هذا «العار»، كيف لا وهما اللذان يصولان ويجولان في العالم بحرية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي واختلال ميزان القوى الدولي، فارضين شروطهما وإملاءاتهما دون رقيب أو حسيب.
ويزيد الأمور تعقيداً بالنسبة لإسرائيل الصهيونية، أن الإمبريالية العالمية وخاصة الأمريكية أرادتها دائماً قاعدة متقدمة لها تعتمد عليها في تنفيذ المهمات الخاصة المتعلقة بقمع الشعوب وحركات التحرر الوطني والسيطرة الاستعمارية المباشرة وغير المباشرة على ثروات ومقدرات الشعوب، فإذا بها تتحول فجأة من مساعد يحمل عبئاً إلى عبء بحد ذاته، مطبقة القول المأثور: «جبناك يا عبد المعين منشان تعين، قام طلع بدك تنعان»، وبالتالي بدأ الخلل يظهر في تأدية دورها الوظيفي الذي أنشأت من أجله، مع كل ما يمكن أن يفرزه ذلك من تصدعات في بنية المجتمع الإسرائيلي المبرمج على الانتصارات السريعة السهلة.
لذلك وبناء على هذه المعطيات، وبما أن الأمور مرشحة للتفاقم بعد استنفاد الإمبريالية الأمريكية كل وسائلها السياسية لاستكمال السيطرة على المنطقة، ولجوئها إلى الحل العسكري كحل أخير، ترتدي قضية استيعاب دروس انتصار المقاومة اللبنانية الممثلة بحزب الله أهمية أكبر.

1 ـ الدرس الأول: هو درس الإرادة والعزيمة والإصرار على المواجهة والانتصار، ونكرر هنا الحقيقة المعروفة أنه في ظل اللاتكافؤ التكنولوجي فإن الطرف الأضعف في هذا المجال هو الطرف الأقوى إذا امتلك الإرادة السياسية، وقد أثبتت تجربة القرن العشرين ذلك في أكثر من زمان ومكان.
2 ـ الدرس الثاني: إذا كانت الإرادة هي الشرط الضروري للانتصار، إلا أنها شرط غير كاف، وهذه الإرادة إذا أضيف إليها عنصر التنظيم، تنظيم قوى الشعب وتعبئتها لأصبح النصر أمراً محتماً. وهنا لايفوتنا التأكيد أن تجربة حزب الله التنظيمية قد أعادت الاعتبار لكل منظومة الرؤية التنظيمية التي عملت على أساسها الأحزاب الثورية في أوائل القرن العشرين والتي كانت هدفاً للهجمات الشرسة للمنظرين البرجوازيين ومن لف لفهم من المنهارين والمتخاذلين، والتي أدى التخلي عنها عند البعض إلى إصابة الحركة الثورية بأضرار كبيرة، وهنا نفهم لماذا كل هذا الهجوم الليبرالي المريض على التنظيم والانضباط الواعي والالتزام الحديدي.
3 ـ الدرس الثالث: الثقة بالقيادات لاتأتي لها هبة من موقعها، بل تتكون تاريخياً بقدر ماتثبت مصداقيتها بمواقفها وسلوكها، مواقفها التي تربط بين القول والفعل والتي تؤكدها الحياة، وسلوكها المتواضع القريب من الجماهير الذي يأنف تحقيق أية امتيازات ضيقة حزبية كانت أم فئوية أم شخصية. والصحيح أنه إذا كانت الثقة تتكون تاريخياً بتراكم المواقف الصحيحة، فاللاثقة كذلك تتكون تاريخياً بتراكم المواقف الغلط.
4 ـ الدرس الرابع: لم تهزم إسرائيل الصهيونية في كل مواجهاتها خلال نصف قرن إلا اليوم، لماذا؟المقاربة الأولية تفيد أن المعارك السابقة كانت تجري بين جيش هو جزء من جهاز دولة أكثر تقدماً وتنظيماً من الناحية البنيوية نتيجة كون العالم الرأسمالي الذي إسرائيل هي جزء مكون فهو مدعوم منه جيداً، أكثر تقدماً مما كان يسمى بالعالم الثالث الذي تعتبر بلداننا العربية بجهاز دولتها وجيوشها جزءاً منه.
ولما أرادت حركة التاريخ أن يصطدم جهاز الدولة الأكثر تقدماً بجزء من بنية مجتمع تمتلك إرادة ودرجة معينة من التنظيم، لم يستطع أن يكرر انتصاراته السابقة، فولى من أرض المعركة مذعوراً، مما يوصلنا إلى
5 ـ الدرس الخامس: وهو أن المقاومة الشعبية المنظمة ذات الإرادة العالية غير قابلة للهزيمة، وهي قادرة على ذلك لأنها جزء من بنية شعب ومجتمع إذا أحسن تنظيمها، يصبح من المستحيل الانتصار عليها، وإذا توفرت لها قوى جيش نظامي داعمة كان الأمر أفضل، مما سيساعد على اختصار زمن ومسافات الانتصار.
وأخيراً يجب أن لايفوتنا أن الحكام في البلدان العربية من أصحاب الجلالة والسمو والفخامة قد لعبوا خلال المعارك السابقة وبأكثريتهم الساحقة دور الطابور الخامس، وكانوا قوة احتياطية هامة ولكن مخفية للعدو وكانت مهمتهم إجهاض احتمال الانتصار إن تمت (السادات مثلاً) ولكنهم اليوم بانفضاح عوراتهم قد سهلوا المهمة كثيراً على قوى حركة التحرر الوطني في البلدان العربية، وماهذا إلا دليل على امتداد واشتداد المعركة الوطنية الكبرى التي وصلت إلى مراحلها الحاسمة والتي يتطلب حسمها لصالح كرامة الوطن والمواطن إلى رباطة جأش وشجاعة وصبر..

معلومات إضافية

العدد رقم:
279