المطلوب اصلاح جذري شامل

الجميع يطالب بالاصلاح، ولكن كل فئة وشريحة اجتماعية تضع له محتوىً يعبر عن مصالحها المباشرة وغير المباشرة، مما أنتج طيفاً واسعاً من الآراء حول مفهوم الاصلاح وحدوده ومحتواه وأدواته.

وإذا كان ثمة شبه اجماع على ضرورة الاصلاح، فهذا يعني أن هنالك توافقاً في المجتمع على أن طرق التطور، والادارة السابقة قد بدأت تستنفد نفسها، إذا كانت لم تستنفد نفسها نهائياً بعد.
ولكن في نهاية المطاف يتبلور رأيان أساسيان حول الموضوع يعكسان موقفين مختلفين جذرياً ولا يمكن التوفيق بينهما بأي حال من الأحوال:

الرأي الأول، هو امتداد لمشروع العولمة الرأسمالية محلياً، والذي تمثله قوى البرجوازية الطفيلية، والذي يريد تصفية السيادة الوطنية والتطور الاقتصادي المستقل بحجة اللحاق بالركب أو بالقطار الذي يفوتنا، وطريقه الى ذلك معروف، وهو تصفية القطاع العام وجميع المكتسبات الاجتماعية التي تحققت على مر السنين الماضية، بحجة عدم إمكانية التوفيق بين مهام الدولة الاقتصادية والاجتماعية، بل أكثر من ذلك يدعو الى اختزال دور الدولة الى مجرد شرطي سير لاحول له ولا قوة ولا دخل له بشيء، تحت شعار «حرية السوق»، ويتسلح هذا الاتجاه بمشاريع البنوك الخاصة والشركات القابضة، والأسواق المالية، وإطلاق سعر الصرف، وتعويم العملة الوطنية، وخصخصة قطاع الدولة بأشكال مختلفة، واطلاق حرية الرأسمال الخاص في المجالات كافة.

أما الرأي الثاني، والذي يمثل المصالح الوطنية يعكس مصلحة الجماهير الواسعة وعلى رأسها الطبقة العاملة، فهو يرى أن شكل التطور السابق قد خلق الأرضية الملائمة لمبررات وحجج ولنشاط التيار الأول، وهذا الرأي الثاني إذا كان يريد تطور القطاع العام فهو لايريد الابقاء على شكل التطور الاقتصادي ـ الاجتماعي الحالي، وان كان يرى في بعض جوانبه نقاطاً صالحة وهامة للانطلاق للأمام نحو الاصلاح الحقيقي، الاصلاح الجذري والديمقراطي المنشود.

وقد بينت التجربة السابقة على ان موضوع الاصلاح المنشود كي يسير ويتطور يتطلب جملة من الشروط لابد من توفرها:
- وأهمها على الاطلاق، كي لايتعثر، وكي تتوفر له عوامل النجاح المضمون، هو توسيع إطلاق الحريات الديمقراطية. فأية محاولة إصلاح تستند فقط على العناصر الشريفة في جهاز الدولة، غير مضمونة النجاح أبداً، مما يتطلب تعبئة أوسع الجماهير في هذا الاتجاه مما سيضمن توفير ميزان قوى اجتماعي ملائم للتغييرات المطلوبة.

- وإذا كانت المرحلة الماضية قد أغنتنا بتجارب مختلفة حول كيفية بدء الاصلاح، فهذه التجربة برهنت على أن الاصلاح الحقيقي المنشود هو اصلاح متعدد الإحداثيات ولا يمكن أن يكون أحادي الجانب، وأحاديته تضع أساس فشله، لذلك فإن الاصلاح المطلوب هو اصلاح سياسي، اقتصادي، اجتماعي وإداري بآن واحد، أي اصلاح جذري وشامل، وأية محاولة لاجتزائه سيكتب لها الفشل وستؤخر جني ثمار الاصلاح الذي تريده الجماهير الشعبية.

- والى جانب ذلك يجب أن يكون هدف الاصلاح الأساسي واضحاً، حتى تصب جميع الجهود وجميع الطرق والأدوات في اتجاهه، والهدف الذي تمليه المصلحة العليا لتستطيع سورية أن تلعب الدور المنوط بها وطنياً، هو توفير وتيرة نمو اقتصادي عالية مع تحسين مضطرد لمستوى معيشة أغلبية الناس. وهذا يتطلب إيقاف النهب البرجوازي الطفيلي والبرجوازي البيروقراطي الذي يمنع أن يأخذ التطور مجراه المطلوب، والذي يعرقل مكافحة الفساد بكل أشكاله. كل هذا سيكون المقياس الوحيد لنجاح أي اصلاح أو فشله.

معلومات إضافية

العدد رقم:
174