عبد المسيح قرياقس عبد المسيح قرياقس

تحية تضامن ومصارحة مع الرفاق الشيوعيين الذين أطلقوا ميثاق الشرف الرائع!..

من بعثي قديم..
دخلت مكتبي صباحاً، لأرى صحيفة «قاسيون» ملقاة هناك على الأرض، فأحد الرفاق قد دسها من تحت الباب، ابتسمت تعجبني هذه الطريقة، لأنها تذكرني بنضالنا السري القديم وتوزيع المناشير، التقطتها بتكاسل، وكعادتي مع هذه الصحف التي نشترك فيها حياءً ومجاملةً، أكثر منه رغبةً وحاجة، رحت اتصفح عناوينها التي اعتدت على نغمتها ونسقها، والتي اعتدت أن أرى عصاً خفيةً فوق رأس كل كلمة فيها، فالكلمات فيها دائماً مطأطأة الرأس، متملقة، غير مقنعة، كرهت العيش فوق القمم وفي وجه العواصف فهجرتْ قلوب وعقول الناس، وارتاحت في الظلال، فغدا لونها أصفر عليلا، وتحولت إلى قط أليف بدلاً من أن تكون الأسد الهصور.

التقطت عيناي عناوين «الميثاق ـ إطلاق حوار بين الشيوعيين لاستعادة وحدتهم ـ ميثاق شرف ـ مهام جسيمة».. ودخلت في الأعماق أكثر، فأحسست بغريزة المناضلين الذين فتحوا صدورهم وعقولهم لشعبهم، والذين قرروا أن لا يكونوا نعاجاً لكائن من كان في هذا الكون. إن نغمة جديدة طيبة راحت تهدهدني، قلبت الصفحة بسرعة فواجهتني صور مناضلين قدامى أعرف بعضهم وسمعت ببعضهم، وقابلتني عناوين أكثر إثارة وجدية، فاندفعت بالقراءة، وراحت تهب علي نسمات أعادتني لعبق وحيوية الخمسينات، فترة الخصب والحياة في هذا الوطن الرائع، الذي لايشبهه وطن في الكون كله… وبدلاً من رائحة العفن والرطوبة، التي كنا نشمها من هذه الصحف، صرت أشم رائحة ورد نيسان، وزهر الليمون، وكل عطر وعبق مدننا وأريافنا الخيرة.

عدت بسرعة للصفحة الأولى، توقفت، وذهبت لأغلق باب مكتبي كي لا يعكر على أحدٌ صفو ولذة القراءة، وكمن وردته رسالة من حبيبة، أو وجد كنزاً، رحت ألتهم كلماتها.. كم مضى من الوقت لا أدري؟ ولكنني أدري أنني قرأتها من الغلاف إلى الغلاف، وتذوقت طعم المناضلين الوطنيين الشرفاء، بعد أن كاد طعمهم يذوي وينتثر، وداعبتني آمالٌ أننا على أبواب بناء وطن حر وناهض...
.. كانت المرارة تملأ فمي، لكن في أعماق وجداني، كان قد استقر إيمان لا يتزعزع: أن لا أحد أفضل من أحد، وإن العملية عملية وقت، وسيفيق الجميع من سباتهم وغفلتهم، وإن هذا الوطن سيكون أعز الأوطان بنا، جميعاً، وإن الأمة والبشرية بحاجة لأمثال صدق وإخلاص وطننا الرائع.
إن فكرة ـ ميثاق الشرف ـ التي نمتْ في عقول مجموعة منكم أيها الرفاق الشيوعيون، هي فكرة خيرة ومباركة، ومعبرة عن حاجة الشعب والوطن، وإننا نحن البعثيين القدامى نؤيدها تأييداً كبيراً، ونرى فيها إضافة جديدة لصحوة الحركة الوطنية في سورية وفي الوطن العربي الكبير، وقرارها خلع رداء الخوف.

إننا نرى أن  أهم ركائز إعادة توحيد  الحزب الشيوعي السوري يجب أن تعتمد:
1. فكر خلاق يجسد هموم وطموحات الشعب ويجيب عن التساؤلات الكبرى التي تواجه الشعب والوطن.
2. ممارسة نضالية شجاعة ونظيفة وشفافة، تقنع الشعب في أعماقه أن هذا الحزب منه وله.

لقد عاش الحزب الشيوعي السوري منذ نشأته في أحضان الحركة الشيوعية العالمية، وكان قمراً صغيراً يدور في فلك الاتحاد السوفييتي، وكان قادته لا يرون حاجة لإتعاب أنفسهم فكرياً،فغدا السوفييت أم الفكر، ولاحاجة لإبداع ممارسات جديدة. ففي الاتحاد السوفييتي ومنظومته ما يكفينا من الممارسات، ما يكفينا تقليدها فقط، حتى نحقق النجاح لأوطاننا. فافتقد الحزب الشيوعي الحاجة للابتكار والخلق، واليوم سقطت تجربة السوفييت، وظهر أن كثيراً من الرفاق الشيوعيين في سورية والوطن العربي، الذين انتقدوا في حينها التجربة السوفيتية وأرادوا رؤية وطنية وعربية للماركسية اللينينية، كانوا متقدمين على غيرهم، وأنهم في لحظة عالية الوطنية، أرادوا الندية مع السوفييت...
لاشك أن سقوط تجربة الاتحاد السوفييتي أعطت الشيوعيين من الدروس أكثر بكثير من نجاحها السابق،وأهم هذه الدروس الاعتماد على الذات، وخلق وابتكار  أفكار وممارسات حية نابعة  من روح الشعب ومصالحه وتاريخه، وأن تكون ديمقراطية للمنتهى،وأن تكونوا شجرة وطنية حية، ستحيا طالما بقي هذا الوطن حياً.
أيها الرفاق، إن الوطن بحاجة إليكم اليوم أكثر من أي وقت مضى، والشعب ينتظر عودتكم إليه بلهفة، فالشعب يحن لفترة الخمسينات، ويرى في ميثاق الشرف فرصة ذهبية لكم لتأخذوا مكانكم في صدر النضال الوطني جنباً إلى جنب مع كل القوى المعارضة الشريفة والخيرة في هذا الوطن، فلا تضيعوا هذه الفرصة.
لقد بادرتم بالخطوة الأولى بالتوجه نحو الوحدة،ومطلوب منكم متابعة الخطوات حتى تقنعوا  الشعب  أنكم معاً وفي صفه تماماً، قد رأيتم ولمستم أن من لايقف في صف الشعب،تحترق أوراقه، ويتحول مناضلوه لأشباه رجال، والشعب لايقبل السير وراء أشباه الرجال.
شعبكم في سورية عميق الوعي، ويرى حتى الوهم في النفوس، فلا يخدعن أحد نفسه، أن بإمكانه وضع قدم مع الشعب، وقدم  في أماكن أخرى، هذا المركب السهل لا يقبله الشعب، والشعب لا يطلب أن تحمل السلاح على أحد، بل أن تكون معارضة إيجابية تستميت لتحقيق مطالب الشعب والوطن، وتضحي بحريتها ولقمة عيشها لتحقيق طموحات الشعب.
السياسي برأيي كالنحلة، يلم عسل الأفكار ليقدمها للشعب، ويلسع من يحاول الاعتداء على شعبه أو إضعاف هيبته، وأعتقد أن كثيراً من القيادات الشيوعية ارتضت ولقرابة أربعين عاماً التخلي عن هذا الدور، وسمحوا للآخرين بتعطيل الإبرة التي كانوا يلسعون بها.
وإذا كانت القيادات الشيوعية قد عاشت تارة في ظل السوفييت، وأخرى في ظل الجبهات، فمطلوب منهم اليوم العيش في ظل الشعب والاحتماء بالشعب وحده، لأن الكل زائل وفان والشعب باق خالد.
إن عيش القيادات الشيوعية لفترة طويلة، في الظلال والانقسامات، والرفاهية الخادعة، وجرهم الحزب كله في هذا المسار، حبب للشيوعيين الراحة والدعة، وسيكون شيئاً يدعو للرهبة والخوف الكثير من الشيوعيين حين يجدون أنفسهم في المواجهة دفاعاً عن مصالح الشعب، ولكن لا طريق للنجاح، ونقل الشعب من ضفة لأخرى سوى هذا السبيل، فالقواعد دائماً شجاعة حين تمتلك قيادات شجاعة. والأكيد أن الوحدة ستمنح  الشيوعيين القوة ليدوسوا الخوف.
السؤال الجوهري الذي يؤرقكم ويؤرقنا هو: كيف ستتم هذه الوحدة في ظل هذه الظروف، وفي ظل القيادات الحالية؟ وقبل أن يلفني التشاؤم، سأجيب بأمل: لو كان القرار لقواعد الحزب وللشعب، ولو انتفى الخوف، فستنهار كل هذه الإشكاليات واليافطات الحزبية، ولغدا توحد الحزب ممكناً وربما قريباً جداً.
لكنني أعرف أيها الرفاق: إن تخلص القواعد اليوم من قياداتها والتحرر منها لن يكون سهلاً، بل سيكون مكلفاً، وطريقكم وطريق القواعد سيكون شاقاً وعسيراً، ومليئاً بالألغام والعوائق التي لا يمكن تجاوزها، بالأماني والمناورات، لكنه سيحتاج للإرادة الفولاذية، والمتابعة الجريئة في الوقت المناسب، وعدم التردد والتطلع للخلف، فالقيادات التي تواجهونها ليست قوية بذاتها، ولكنها ستستخدم كل الوسائل للتشبث بمواقعها ولن تستسلم حتى إن أمكنها أن تدمر كل شيء، ورغم ذلك أقول إن هذا الحلم الرائع لن يكون صعباً على حزب مناضل كالحزب الشيوعي، وسورية لا يليق بها ـ كقلب نابض للأمة ـ سوى هذه النماذج من الأحزاب، فمشروعكم تاريخي، ويحتاج لمواقف تاريخية،ونحن نقدر عظم هذه المسؤولية، ونؤيدها بالفعل والقول وندعو كل الشرفاء في الوطن إلى دعمها.

لقد هز ميثاقكم وجداني أنا البعثي القديم، ورأيت فيه صرخة أحرار، ودعوة لكل الأحزاب التي تشظت أن تفكر ـ لأجل حياة الوطن، ولأجل موت الإمبريالية والصهيونية ـ بالتوحد، بدل الإصطراع القديم، والذي ثبت أن المستفيد الوحيد منه كان أعداء الوطن، وكان الوطن هو الخاسر الأكبر، لذا سيكون شعار الوطن الجديد وكل قواه الحية: لا تناحر بعد اليوم، بل وحدة ونضال.
إننا واثقون أنه في اليوم الذي ستحققون فيه وحدتكم، وتتوحدون مع القوى الحية والخيرة في ا لوطن، فإن الإمبريالية والصهيونية لن تدعكم وتدعنا بسلام. وسيكون لنا الشرف أن نكون على رأس لائحة أعدائها، وإن أمريكا وإسرائيل تعلمان جيداً أنه حين تتعافى سورية فإن الأمة كلها تتعافى، وستصبح قلباً للأمة يصطف حوله شعب فلسطين وشعب العراق وكل الحركات والأحزاب الشعبية الحية في الوطن العربي كله، وسيتوحد نضالنا مع نضال شعوب العالم المتعطشة للخلاص من براثن الإمبريالية. وسيتشكل على مستوى العالم جبهة موحدة النضال والهدف لخلق عالم من الرفاهية والمساواة والأمن والديمقراطية الصحيحة، في مواجهة الإمبريالية والصهيونية الموحدتي النضال والهدف في نهب شعوب العالم، ونشر الحروب وقتل الحرية الحقيقية للشعوب. والظفر دائماً للشعوب، وللحق، ولتقدم البشرية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
176